مسألة : قال
الشافعي : فإذا أوجبها لم يكن له أن يبدلها بحال .
قال
الماوردي : وهذا صحيح إذا أوجب الأضحية وعينها خرجت بالإيجاب عن ملكه ، ومنع من التصرف فيها ، ووجب عليه مؤنتها وحفظها إلى وقت نحرها ، وهو قول
علي عليه السلام ، ومذهب
أبي يوسف وأبي ثور .
وقال
أبو حنيفة ،
ومحمد : لا تخرج بالإيجاب عن ملكه ، ولا يمنع من التصرف فيها ، ويكون بإيجابها مخيرا بين ذبحها أو ذبح غيرها : احتجاجا بما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=925248عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أهدى مائة بدنة عام حجه ، فقدم عليه علي من اليمن فأشركه فيها ، ولو خرجت بالإيجاب عن ملكه ما جعل فيها شركا لغيره : ولأنه لو أوجب على نفسه عتق
[ ص: 102 ] عبد فقال لله علي أن أعتقه لم يخرج بهذا الإيجاب في ملكه إجماعا ، وكذلك إيجاب الأضحية لا يخرجها عن ملكه احتجاجا .
ولأن ما تعلق بالأعيان المملوكة من حقوق الله تعالى تقتضي زوال الملك ، ولا يمنع من التصرف كالزكاة إذا وجبت في المال .
ولأن القصد في إيجابها ما ينتفع به الفقراء من لحمها وانتفاعهم بلحم غيرها كانتفاعهم بلحمها ، فوجب أن يستويا .
ولأنها بعد الإيجاب مملوكة فلما لم تصر ملكا للفقراء وجب أن تكون باقية على ملك المضحي .
ودليلنا : ما روي عن
عمر بن الخطاب أنه قال :
أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إني أوجبت على نفسي بدنة وقد طلبت مني بأكثر من ثمنها ، فقال : انحرها ولا تبعها ولو طلبت بمائة بعير .
فلما منعه من البيع مع المبالغة في الثمن وأمره بالنحر دل على فساد البيع ووجوب النحر .
وروي عن
علي بن أبي طالب أنه قال :
من أوجب أضحية فلا يستبدل بها ، وليس له مع انتشار قوله مخالف في الصحابة .
ولأنه يتقرب بالأضحية من النعم كما يتقرب بالعبيد في العتق ثم ثبت أن العتق مزيل للملك إجماعا ، فوجب أن تكون الأضحية مزيلة للملك احتجاجا .
ولأن كل إيجاب تعلق بالعين ولم يتعلق بالذمة أوجب زوال الملك كالوقف والعتق .
ولأن حكم الأضحية يسري إلى ولدها ، وكل حكم أوجب سرايته إلى الولد زال به الملك كالبيع طردا والإجارة عكسا .
ولأن
المضحي يضمن الأضحية لو أتلفها ، وكل ما ضمنه المتلف في حق غيره خرج به المضمون عن ملك ضامنه كالهبة طردا والعارية عكسا ولا يدخل عليه الرهن : لأنه يضمنه في دين نفسه ، ولا يدخل عليه العبد الجاني : لأنه يضمن جنايته ولا يضمن رقبته .
فأما الجواب عن اشتراك
علي عليه السلام في الهدي فمن وجهين :
[ ص: 103 ] أحدهما : أن
عليا ساق الهدي من
اليمن فجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الإيجاب شريكا .
والثاني : أنه جعله شريكا في نحرها لا في التقرب بها : لأنه نحر بنفسه منها ثلاثا وستين ثم أمر عليا بنحر باقيها .
وأما الجواب عن استدلالهم بإيجاب عتق العبد فمن وجهين :
أحدهما : أن العبد إذا أوجب عتقا لم يصر حرا والشاة إذا أوجبها أضحية صارت أضحية فافترقا .
والثاني : أنه لما منع من التصرف في العبد وجب أن يمنع من التصرف في الأضحية .
وأما الجواب عن استدلالهم بالزكاة فمن وجهين :
أحدهما : تعلق الزكاة بالذمة وتعلق الأضحية بالعين .
والثاني : أن بطلان البيع في قدر الزكاة إذا تعلقت بالعين ، فوجب أن تكون الأضحية بمثابتها لتعلقها بالعين .
وأما الجواب ، عن استدلالهم بأن لحم غيرها مثل لحمها فبطلانه من وجهين :
أحدهما : في حق الله تعالى بالعتق إذا أوجبه على نفسه في عبد لم يكن له أن يبدله بغيره .
والثاني : حق الآدميين في البيع إذا باع عبدا لم يكن له أن يبدله بغيره .
وأما الجواب عن استدلالهم بأنها لما لم تصر ملكا للفقراء دل على بقائها على ملكه فمن وجهين :
أحدهما : أن حق الفقراء قبل الذبح كحقهم فيها بعده فلم يسلم الاستدلال .
والثاني : أن بطلانه بالوقف لأنه خرج عن ملكه ولم يصر ملكا لغيره .