فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من حكم الاستباحة على الانفراد انتقلنا إلى الجمع بين كل مستباحين بالضرورة محظورين من غير ضرورة .
فمن ذلك إذا
وجد المضطر ، وهو محرم ميتة وصيدا حيا .
وهي مسألة الكتاب ، ففيما يستبيحه منهما قولان :
أحدهما : وهو مذهب
مالك وأبي حنيفة : أنه يأكل الميتة دون الصيد لأمرين :
أحدهما : أن استباحة الميتة نص ، واستباحة الصيد اجتهاد .
والثاني : أن أكل الميتة لا يوجب الضمان ، وأكل الصيد موجب لضمان الجزاء ، فصارت الميتة بهذين الأمرين أخف حكما .
والقول الثاني : وهو اختيار
المزني : أنه يأكل الصيد ، ويعدل عن الميتة لأمرين :
أحدهما : أن إباحة الصيد عامة ، وحظره خاصة من الإحرام ، وحظر الميتة عام ، وإباحتها خاصة في الاضطرار ، فكان ما أباحته أعم أخف مما تحريمه أعم .
والثاني : أن تحريم الصيد لمعنى في غيره ، وتحريم الميتة لمعنى فيها ، فكان ما
[ ص: 177 ] فارقه معنى التحريم أخف مما حله معنى التحريم ، فثبت بهذين أن أكل الصيد أولى .
فأما إذا وجد ميتة ولحم صيد قتله محرم ، فإن قيل : بذكاته كان أولى من الميتة ، وإن قيل : بنجاسته كانت الميتة أولى منه .