فصل : فأما الحافر بالخيل والبغال والحمير نصا في أحد القولين لا نقلا من اسم الحافر عليها ، وقياسا في القول الثاني : لأنها ذوات حوافر كالخيل وفي معناها .
واختلف أصحابنا هل يقاس عليها السبق بالأقدام ، أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي حنيفة ، تجوز
المسابقة بالأقدام : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استبق هو
وعائشة رضي الله عنها على أقدامهما : ولأن السعي من قتال الرجالة كالخيل في قتال الفرسان .
والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب
الشافعي أن المسابقة بالأقدام لا تجوز : لأنه سبق على فعلها من غير آلة فأشبه الطفرة والوثبة : ولأن السبق على ما يستفاد بالتعليم ليكون باعثا على معاطاته ، والسعي لا يستفاد بالتعليم ، فعلى هذا إن قيل : إن المسابقة بالأقدام لا تجوز ، فالمسابقة بالسباحة أولى أن لا تجوز ، وإن قيل : بجوازها على الأقدام ، ففي جوازها بالسباحة وجهان :
أحدهما : تجوز كالأقدام : لأن أحدها على الأرض ، والآخر في الماء .
والوجه الثاني : أنها لا تجوز بالسباحة ، وإن جازت بالأقدام : لأن الماء مؤثر في السباحة ، والأرض غير مؤثرة في السعي .
[ ص: 186 ] ومنها اختلاف أصحابنا في
السبق بالصراع على وجهين :
أحدهما : وهو مذهب
أبي حنيفة أنه جائز ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أنه خرج إلى الأبطح ، فرأى يزيد بن ركانة يرعى أعنزا له ، فقال يزيد : يا محمد هل لك من أن تصارعني ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما تستبق لي ؟ فقال : شاة ، فصارعه فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يزيد : هل لك العود ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تستبق لي ؟ فقال : شاة ، فصارعه ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يزيد : يا محمد اعرض علي الإسلام ، فما أحد وضع جنبي على الأرض غيرك ، فعرض عليه الإسلام فأسلم ، ورد عليه غنمه فدل على جواز السبق على الصراع .
والوجه الثاني : وهو ظاهر مذهب
الشافعي أنه لا يجوز السبق على الصراع ، لما ذكرنا من المعنيين من السبق بالأقدام ، فعلى هذا إن قيل : إن السبق على الصراع لا يجوز ، فالسبق على المشابكة بالأيدي لا يجوز ، وإن قيل بجوازه في الصراع ، ففي جوازه بالمشابكة وجهان كالسباحة .
ومنها اختلاف أصحابنا في
السبق بالحمام على وجهين :
أحدهما : يجوز : لأنها بالهداية تؤدي أخبار المجاهدين بسرعة .
والوجه الثاني : لا يجوز : لأنها لا تؤثر في جهاد العدو ، وقد روي
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى رجلا يسعى بحمامة ، فقال : شيطان مع شيطانة .
فأما
السبق بالكلام وبنطاح الكباش ونقار الديكة ، فهو أسفه ، والسبق فيه باطل لا يختلف ، والله أعلم بالصواب .