فصل :
فإذا تقرر ما يجوز السبق به على الأعواض المبذولة ، فلصحة العقد عليه خمسة شروط :
أحدها : التكافؤ فيما يستبقان عليه ، وفيما يتكافآن به وجهان :
أحدهما : وهو الظاهر من مذهب
الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه أن التكافؤ بالتجانس ، فيسابق بين فرسين أو بغلين أو حمارين أو بعيرين ، ليعلم بعد التجانس فضل السابق ، ولا يجوز أن يسابق بين فرس وبغل ولا بين حمار وبعير : لأن تفاضل الأجناس معلوم وأنه لا يجري البغل في شوط الفرس ، كما قال الشاعر :
إن المذرع لا تغني ضئولته كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
لكن يجوز السبق بين عتاق الخيل ، وهجانها : لأن جميعها جنس ، والعتيق في أول شوطيه أحد وفي آخره ألين ، والهجين في أول شوطيه ألين وفي آخرها أحد ، فربما صارا عند الغاية متكافئين .
والوجه الثاني : - وهو قول
أبي إسحاق المروزي - أن التكافؤ في الاستباق غير معتبر بالتجانس ، وإنما هو معتبر بأن يكون كل واحد من المستبقين يجوز أن يكون سابقا ويجوز أن يكون مسبوقا ، فإن جوز ذلك بين فرس وبغل ، أو بين بعير وحمار جاز السبق بينهما ، وإن علم يقينا أن أحدهما يسبق الآخر قبل الاختبار لم يجز السبق بينهما ، ولو علم ذلك بين فرسين عتيق وهجين ، أو بين بعيرين عربي وبختي لم يجز السبق بينهما ، وكذلك لو اتفق الفرسان في الجنس ، واختلفا في القوة والضعف ، فيمنع من الاستباق بينهما ، وهما من جنس واحد ، ونجوزه بينهما ، وهما في جنسين مختلفين اعتبارا بالجواهر دون التجانس .
والشرط الثاني : الاستباق عليها مركوبة لتنتهي إلى غايتها ، بتدبير راكبها ، فإن شرط إرسالها لتجري مسابقة بأنفسها لم يجز ، وبطل العقد عليها : لأنها تتنافر
[ ص: 188 ] بالإرسال ولا تقف على غاية السبق ، وإنما يصح ذلك في الاستباق بالطيور ، إذا قيل : بجواز الاستباق عليها لما فيها من الهداية إلى قصد الغاية ، وأنها لا تتنافر في طيرانها .
والشرط الثالث : أن تكون الغاية معلومة : لأنها مستحقة في عقد معاوضة ، فإن وقع العقد على إجراء الفرسين حتى يسبق أحدهما الآخر لم يجز لأمرين :
أحدهما : جهالة الغاية .
والثاني : لأنه يفضي ذلك لإجرائهما حتى يعطبا .
والشرط الرابع : أن تكون الغاية التي يمتد شرطها إليها يحتملها الفرسان ، ولا ينقطعان فيها ، فإن طالت عن انتهاء الفرسين إليها إلا عن انقطاع وعطب بطل العقد ، لتحريم ما أفضى إلى ذلك .
والشرط الخامس : أن يكون العوض فيه معلوما ، كالأجور والأثمان ، فإن أخرجه غير المتسابقين جاز أن يتساويا فيه ، ويتفاضلا : لأن الباذل للسبق مخير بين القليل والكثير ، فجاز أن يكون مخيرا بين التساوي في التفضيل ، ويجوز أن يتماثل جنس العوضين ، وإن لم يختلف .