مسألة : قال
الشافعي : " والنضال فيما بين الرماة كذلك في السبق والعلل يجوز في كل واحد منهما ما يجوز في الآخر ثم يتفرعان ، فإذا اختلفت عللهما اختلفا " .
قال
الماوردي : أما السباق فاسم يشتمل على المسابقة بالخيل حقيقة ، وعلى المسابقة بالرمي مجازا ، ولكل واحد منهما اسم خاص : فتختص الخيل بالرهان ، ويختص الرمي بالنضال .
فأما قولهم : سبق فلان بتشديد الباء ، فمن أسماء الأضداد يسمى به من أخرج مال السبق ، ويسمى به من أحرز مال السبق ، وقد مضى حكم السباق بالخيل .
فأما
السباق بالنضال فهما من الإباحة سواء ، والخلاف فيهما واحد ، وقد تقدم
[ ص: 200 ] الدليل عليهما ، وقد ذكر
الشافعي هاهنا كلاما اشتمل على أربعة فصول :
أحدهما : قوله : " والنضال فيما بين الرماة كذلك في السبق والعلل " ، يريد بهذا الفصل أمرين :
أحدهما : جواز النضال بالرمي كجواز السباق بالخيل .
والثاني : اشتراكهما في التعليل لإرهاب العدو بهما ، لقول الله تعالى :
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم [ الأنفال : 65 ] .
والفصل الثاني : قوله : " يجوز في كل واحد منهما ما يجوز في الآخر " يريد بهذا أن الأسباق في النضال ثلاثة كما كانت الأسباق في الخيل ثلاثة :
أحدها : أن يخرج الوالي مال السبق فيجوز كجوازه في الخيل .
والثاني : أن يخرجه المتناضلان ، فلا يجوز حتى يدخل بينهما محلل يكون رميه كرميهما أو أرمى منهما ، كما لا يجوز في الخيل إلا محلل يكون فرسه كفؤا لفرسيهما أو أكفأ .
والثالث : أن يخرجه أحد المناضلين ، فيجوز كما يجوز في الخيل إذا أخرجه أحد المتسابقين .
والفصل الثالث : قوله : " ثم يتفرعان " يريد به أمرين :
أحدهما : أن الأصل في سباق الخيل الفرس والراكب تبع ، والأصل في النضال الرامي والآلة تبع : لأن المقصود في سباق الخيل فراهة الفرس ، ولو أراد أن يبدله بغيره لم يجز ويجوز أن يبدل الراكب بغيره .
والمقصود في النضال حذق الرامي ، ولو أراد أن يستبدل بغيره لم يجز ، ويجوز أن يبدل آلته بغيرها .
والثاني : أنه في النضال من تفريع المرمى بالمبادرة والمخاطبة ما لا يتفرع في سباق الخيل .
والفصل الرابع : قوله : " فإذا اختلفت عللهما اختلفا " يريد به أنه لما كان المقصود في سباق الخيل الفرس دون الراكب لزم تعيين الفرس ، ولم يلزم تعيين الراكب ، ومتى مات الفرس بطل السبق ولا يبطل بموت الراكب إن لم يكن هو العاقد ، وفي بطلانه بموت العاقد قولان :
أحدهما : لا يبطل بموته إذا قيل : إنه كالإجارة .
[ ص: 201 ] والثاني : يبطل بموته إذا قيل : إنه كالجعالة ،
ولما كان المقصود في النضال الرامي دون الآلة لزم تعيين الرامي ، ولم يلزم تعيين الآلة ،
وبطل النضال إذا مات الرامي ، ولم يبطل إذا انكسر القوس ، فقد اختلف حكمهما كما اختلفت عللهما .