فصل : فأما
الحواب فهو نوع من أنواع الرمي ، وهم فيه
أبو حامد الإسفراييني ، فجعله صفة من صفات السهم ، وسماه حوابي بإثبات الياء فيه ، وفسره بأنه السهم الواقع دون الهدف ثم يحبو إليه حتى يتصل به مأخوذ من حبو الصبي ، وهذا نوع من الرمي المزدلف يفترقان في الاسم لأن المزدلف أحد والحابي أضعف ، ويستويان في الحكم على ما سيأتي ، والذي قاله سائر أصحابنا أن الحواب نوع من الرمي وأن
أنواع الرمي ثلاثة :
المحاطة - والمبادرة - والحواب .
وقد ذكرنا المحاطة والمبادرة .
فأما الحواب فهو أن يحتسب بالإصابة في الشن والهدف ويسقط الأقرب إلى الشن ما هو أبعد من الشن ، وإن أصاب أحدهما الهدف على شبر من الشن فاحتسب له ، ثم أصاب الآخر الهدف على فتر من الشن احتسب له وأسقط إصابة الشن لأنها أبعد ، ولو أصاب أحدهما خارج الشن واحتسب به ، وأصاب الآخر في الشن احتسب به ، وأسقط إصابة خارج الشن .
ولو أصاب أحدهما الشن فاحتسب به ، وأصاب الآخر الدارة التي في الشن احتسب به وأسقط إصابة الشن ، ولو أصاب أحدهما الدارة التي في الشن فاحتسب به وأصاب الآخر العظم الذي في دارة الشن احتسب وأسقط إصابة الدارة فيكون كل
[ ص: 215 ] قريب مسقطا لما هو أبعد منه ، فهذا نوع من الرمي ذكره
الشافعي في كتاب الأم ، وذكر مذاهب الرماة فيه ، وفرع عليه ، ولم يذكره
المزني ، إما لاختصاره ، وإما لأنه غير موافق لرأيه لضيقه وكثرة خطره ؛ لأنه يسقط الإصابة بعد إثباتها ، والمذهب جوازه لأمرين :
أحدهما : أنه نوع معهود في الرمي ، فأشبه المحاطة والمبادرة .
والثاني : أنه أبعث على معاطاة الحذق فصح .
وذلك في جواز
النضال على إصابة الحواب ، وكان عقدهما على إصابة خمسة من عشرين ، فلهما إذا تناضلا ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يقصرا على عدد الإصابة .
والثاني : أن يستوفيا عدد الإصابة .
والثالث : أن يستوفيها أحدهما ، ويقصر عنها الآخر .
فأما الحال الأول : وهو أن يقصر كل واحد منهما عن عدد الإصابة فيصيب أقل من خمسة ، فقد ارتفع حكم العقد بنقصان الإصابة من العدد المشروط من غير أن يكون فيها ناضل ولا منضول ، ولا اعتبار بالقرب والبعد مع نقصان العدد .
وأما الحال الثانية : وهي أن يستوفيا معا عدد الإصابة فيصيب كل واحد منهما خمسة فصاعدا ، فيعتبر حينئذ حال القرب والبعد ، فإنهما لا يخلوان فيهما من أربعة أقسام :
أحدها : أن تكون الإصابات في الهدف ، وقد تساوت في القرب من الشن ، وليست بعضها بأقرب إليه من بعض ، فقد تكافآ وليس فيهما ناضل ولا منضول ، وهكذا لو تقدم لكل واحد منهما سهم كان أقرب إلى الشن من باقي سهامه ، وتساوى السهمان المتقدمان في القرب من الشن كانا سواء لا ناضل فيهما ولا منضول ، فإن تقدم لأحدهما سهم وللآخر سهمان وتساوت السهام الثلاثة في قربها من الشن ، ففيه وجهان :
أحدهما : أن المقترب بسهمين ناضل للمقترب بسهم ، لفضله في العدد .
والثاني : أنهما سواء لا ناضل فيهما ولا منضول ؛ لأن نضال الحواب موضوع على القرب دون زيادة العدد .
والقسم الثاني : أن تكون سهام أحدهما أقرب إلى الشن من سهام الآخر ، فأقربهما إلى الشن هو الناضل ، وأبعدهما من الشن هو المنضول . وهكذا لو تقدم
[ ص: 216 ] لأحدهما سهم واحد ، فكان أقرب إلى الشن من جميع سهام الآخر أسقطت به سهام صاحبه ، ولم يسقط به سهام نفسه ، وكان هو الناضل بسهمه الأقرب .
والقسم الثالث : أن تكون سهام أحدهما في الهدف ، وسهام الآخر في الشن ، فيكون المصيب في الشن هو الناضل ، والمصيب في الهدف منضولا .
وهكذا لو كان لأحدهما سهم واحد في الشن وجميع سهام الآخر خارج الشن كان المصيب في الشن هو الناضل بسهمه الواحد وقد أسقط به سهام صاحبه ، ولم يسقط له سهام نفسه ، وإن كانت أبعد إلى الشن من سهام صاحبه .
والقسم الرابع : أن تكون سهامهما جميعا صائبة في الشن لكن سهام أحدهما أو بعضهما في الشن الدارة ، وسهام الآخر خارج الدارة ، وإن كانت جميعها في الشن ففيه وجهان :
أحدهما : وقد حكاه
الشافعي عن بعض الرماة أن المصيب في الدارة ناضل ، والمصيب خارج الدارة منضول ؛ لأنه قطب الإصابة .
والوجه الثاني : وإليه أشار
الشافعي في اختياره أنهما سواء ، وليس منهما ناضل ولا منضول ؛ لأن جميع الشن محل الإصابة .
وأما الحال الثالثة : وهو أن يستوفي أحدهما إصابة الخمس ويقصر الآخر عنهما ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون مستوفي الإصابة أقرب سهاما إلى الشن أو مساويا صاحبه ، فيكون ناضلا ، والمقصر منضولا .
والضرب الثاني : أن يكون المقصر في الإصابة أقرب سهاما من المستوفي لها ، فليس فيها ناضل ولا منضول ؛ لأن المستوفي قد سقطت سهامه لبعدها ، والمقصر قد سقطت سهامه بنقصانها - والله أعلم -