مسألة : قال
الشافعي : " وإذا
حضر الغريب أهل الغرض فقسموه ، فقال من معه : كنا نراه راميا أو من يرمي عليه كنا نراه غير رام ، وهو من الرماة ، فحكمه حكم من عرفوه " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا اجتمع الزعيمان للعقد ، وهو غريب لم يعرفوه ، فأخذه أحد الزعيمين في حزبه ، ودخل في عقده ، وشرعوا في الرمي ، فله حالتان :
إحداهما : أن لا يحسن الرمي ، ولا يكون من أهله ، فالعقد في حقه باطل ؛ لأنه معقود عليه ، في عمل معدوم منه ، فصار كمن استؤجر للكتابة ، وليس بكاتب ، وللصناعة ، وليس بصانع ، يكون العقد عليه باطلا ، كذلك من دخل في عقد الرمي ،
[ ص: 248 ] وليس برام ، وإذا بطل في حقه ، فقد قال
أبو حامد الإسفراييني ، يبطل العقد في واحد من الحزب الآخر ؛ لأنه في مقابلته وفي بطلانه فيمن بقي من الحزبين قولان من تفريق الصفقة ، وهذا وهم منه ؛ لأن من في مقابلته من الحزب الآخر غير متعين ، وليس لزعيمهم تعيينه في أحدهم ؛ لأن جميعهم في حكم العقد سواء ، وليس أحدهم في إبطال العقد في حقه بأولى من إثباته فيه ، وليس لدخوله القرعة فيه تأثير ؛ لأنها لا تدخل في إثبات عقد ولا إبطاله ، فوجب أن يكون العقد في حقوق الجماعة باطلا .
والحال الثانية : أن يكون من أهل الرمي ، فله فيه ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون مساويا لهم فيه ، فلا مقال للحزبين فيه ، ويكون صوابه لحزبه ، وخطؤه على حزبه .
والحال الثانية : أن يكون أرمى منهم ، فيقول الحزب الذي عليه : كنا نظنه مثلنا ، وقد بان أنه أرمى منا ، فاستبدلوا به غيره ممن يساوينا ، فليس ذلك لهم ؛ لأنه قد دخل في عقدهم ، فصار كأحدهم ، في لزومه وجوازه ، ولا يجوز إفراده منهم بفسخ ولا خيار ، ويكون صوابه وخطؤه لحزبه .
والحال الثالثة : أن يكون دونهم في الرمي ، فيقول من معه : كنا نظنه راميا مثلنا ، وقد بان تقصيره ، فنستبدل به غيره ، مكافئا لنا ، فليس ذلك لهم ، إلا أن يفسخوه في حقه دونهم ، لما عللنا ، ويكون صوابه وخطؤه لحزبه ، وهو كمن عرفوه ، وعيبه عليهم حين لم يختبروه .