مسألة : قال
الشافعي : " لو
قال في يمينه لأفعلن كذا لوقت إلا أن يشاء فلان ، فإن شاء فلان لم يحنث ، وإن مات أو غيب عنا حتى مضى الوقت حنث ( قال
المزني ) قال بخلافه في باب جامع الأيمان " .
قال
الماوردي : قال
المزني : وصورة هذه المسألة أن يقول الحالف : والله لأدخلن هذه الدار اليوم إلا أن يشاء زيد ، فعين وقت دخوله في يومه ، فلا يبر بالدخول في غيره ، وجعل مشيئة زيد استثناء ليمينه ، فتعلق بمشيئة زيد أمران :
أحدهما : صفة مشيئته المشروطة .
والثاني : حكمها في الشرط ، فأما صفة مشيئته فهو أن يشاء أن لا يدخل الحالف الدار ؛ لأن الاستثناء ضد المستثنى منه : لأن من حكم الاستثناء إذا عاد إلى إثبات أن يكون نفيا ، وإذا عاد إلى نفي أن يكون إثباتا ، فإن قال الحالف : أردت إلا أن يشاء زيد دخولي ، فلما التزم الدخول حملت المشيئة على إرادته ، لاحتمالها ، وإن خالفت حكم الاستثناء ، وأما حكم مشيئة زيد فهو مع اليمين بعد انعقادها ، فتكون مشيئة زيد رافعة لعقد يمين الحالف : لأنه جعلها استثناء ، ولم يجعلها شرطا ، والاستثناء ينفي الإثبات
[ ص: 285 ] ويثبت النفي واليمين ثابتة ، فكان استثناؤها نفيا ، فلو قال : أردت أن تكون مشيئة زيد شرطا في إثبات اليمين لم يعمل على إرادته ؛ لأنها تحيل حقيقة لفظه بما لا يحتمله : لأن قوله : إلا أن يشاء زيد ضد قوله : إن شاء زيد ، فلا يجوز أن يعلق على اللفظ حكم هذه ، وخالف صفة المشيئة إذا أراد خلاف إطلاقها لاحتماله ، فإذا تقررت صورة المسألة ، وحكم الاستثناء فيها بمشيئة زيد الرافع لعقد اليمين - فلا يخلو حال الحالف من أن يوجد فيه البر أو لا يوجد ، فإن كان البر منه موجودا بدخول الدار في يومه فلا حنث عليه سواء وجدت مشيئة زيد أو لم توجد ، لكن يكون دخوله بعد مشيئة زيد دخولا بعد ارتفاع اليمين ، فلا يتعلق به بر ولا حنث ، ودخوله مع عدم المشيئة دخولا يوجب البر في يمينه ، وإن لم يدخل الحالف الدار في يومه فقد عدم الفعل الذي يتعلق به البر ، فتراعى حينئذ مشيئة زيد ، هل ارتفعت اليمين بمشيئته ، أو كانت على انعقادها لعدم مشيئته ، ولا يخلو حال زيد فيها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يعلم أنه قد شاء ، فاليمين قد ارتفعت بمشيئته ، فلم يحنث الحالف بترك الدخول ، لارتفاع اليمين .
والقسم الثاني : أن يعلم أن زيدا لم يشأ فاليمين منعقدة لعدم الشرط في رفعها ، والدخول شرط في البر فيكون الحالف حانثا ، بترك الدخول لإخلاله بشرط البر .
والقسم الثالث : أن تخفى مشيئة زيد ، فلم يعلم هل شاء أو لم يشأ ، فقد نص
الشافعي في هذه المسألة على أن الحالف يحنث بشرط الدخول ، فجعل الشك في المشيئة موجبا لسقوطها ، وحل اليمين على انعقادها فأوقع الحنث فيها ، ونقل
الربيع في كتاب الأم عن
الشافعي في مسألة أخرى ضد هذا الجواب مع وجوب اشتراكهما فيه ، وهو إذا
قال حالف : والله لا دخلت هذه الدار في يومي هذا إلا أن يشاء زيد فدخلها في يومه ، ولم يعلم مشيئة زيد لم يحنث ، وهما في حكم المشيئة سواء ، وإن اختلفا في الصورة ؛ لأن اليمين في المسألة الأولى معقودة على دخول الدار ، وفي المسألة الثانية معقودة على ترك دخولها ، ومشيئة زيد في المسألتين جميعا رافعة لعقد اليمين ، وقد جعل الشك في مشيئة زيد رافعا لليمين في المسألة الثانية ، ولم يجعل الشك فيها رافعا لليمين في المسألة الأولى . ولولا أن
الربيع علل جواب المسألة الثانية أنه لا يحنث لجواز أن يكون زيد قد شاء فلا يحنث بالشك ، فجاز أن ينسب
الربيع إلى الوهم ، أو ينسب الكاتب إلى الغلط ، فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين الجوابين مع اتفاقهم على استواء البر والحنث في المسألتين . على وجهين :
أحدهما : أن خرجوا جواب كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى وحملوهما على قولين :
[ ص: 286 ] أحدهما : يحنث بالشك في مشيئة زيد إثباتا لعقد اليمين في المسألتين : لأن
الشك في صحة الاستثناء يوجب سقوط حكمه .
والقول الثاني : لا يحنث بالشك في مشيئة زيد إثباتا لصحة الاستثناء في المسألتين ؛ لأن الشك في كفارة الحنث توجب سقوطها استصحابا لبراءة الذمة ، فهذا أحد وجهي أصحابنا .
والوجه الثاني : وقد حكاه
أبو إسحاق المروزي ،
وأبو علي بن أبي هريرة ليس اختلاف الجوابين على اختلاف قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين ، فحنثه
الشافعي في المسألة الأولى إذا فات أن يستدرك مشيئة زيد بموته ولم يحنث في المسألة الثانية إذا أمكن استدراكها بغيبته حيا ، والتوصل إلى العلم بها ، والله أعلم .