[ ص: 299 ] باب الإطعام في الكفارة في البلدان كلها ومن له أن يطعم وغيره  
مسألة : قال  
الشافعي   رحمه الله : "  
ويجزئ في كفارة اليمين مد بمد النبي     - صلى الله عليه وسلم - وإنما قلنا يجزئ هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بعرق فيه تمر ، فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا ، والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا ، وذلك ستون مدا ، فلكل مسكين مد في كل بلاد سواء .  
قال  
الماوردي      : اعلم أن الكفارات تنقسم ثلاثة أقسام :  
قسم وجب على الترتيب في جميعه .  
وقسم وجب على التخيير في بعضه والترتيب في بعضه ، فأما ما كان بوجوبه على الترتيب في جميعه ، فكفارة الظهار والقتل والوطء في شهر رمضان ، يبدأ بالعتق فإن لم يجده فالصيام ، فإن عجز عنه فالإطعام ، وأما ما كان وجوبه على التخيير فكفارة الأذى ، وهو مخير بين دم شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام ، وجزاء الصيد هو مخير بين مثله من النعم أو قيمة المثل طعاما أو عدل ذلك صياما ، وأما ما كان وجوبه على التخيير في بعضه ، والترتيب في بعضه فكفارة اليمين ، قال الله تعالى :  
فكفارته إطعام عشرة مساكين     [ المائدة : 89 ] الآية ، فجعله مخيرا بين هذه الثلاثة ، ثم قال : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، فجعل الصيام مرتبا على العجز بعد المال ، فبدأ  
الشافعي   بالإطعام ؛ لأن الله تعالى بدأ به لقوله :  
فكفارته إطعام عشرة مساكين     [ المائدة : 89 ] ، فنص على عدد المساكين أنهم عشرة ، فلا يجوز الاقتصار على أقل منهم لمخالفة النص ، وقال في طعام كل مسكين احتمالا لا يقدره بحد فقال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=925398من أوسط ما تطعمون أهليكم  فاختلف العلماء في  
قدر ما يطعم كل مسكين  منهم على مذاهب شتى .  
أحدها : ما حكاه  
الحارث   ، عن  
علي بن أبي طالب   ، وقاله  
محمد بن كعب القرظي   ،  
والحسن البصري      : إنه غداء وعشاء لكل مسكين .  
والثاني : ما قاله  
ابن عباس   وسعيد بن جبير   أن يعتبر المكفر في عياله ، فإن كان يشبعهم أشبع المساكين ، وإن كان لا يشبعهم فيقدر ذلك في طعام المساكين .   
[ ص: 300 ] والثالث : ما قاله بعض فقهاء  
البصرة   أنه أحد الأمرين من غداء وعشاء .  
والرابع : ما قاله  
أبو حنيفة   ، أنه إن كفر بالحنطة أعطى كل مسكين نصف صاع ، وإن كفر بالتمر أو الشعير أعطى كل مسكين صاعا ، وعنه في الزبيب روايتان :  
إحداهما : صاع كالتمر .  
والثانية : نصف صاع كالبر .  
والخامس : ما قاله  
الشافعي   أنه يعطي كل مسلم مدا واحدا من أي صنف أخرج من الحبوب ، وبه قال من الصحابة  
عبد الله بن عمر   ،  
وزيد بن ثابت   ،  
وأبو هريرة      - رضي الله عنهم - ومن التابعين  
عطاء   وقتادة   ، وهكذا كل كفارة أمسك عن تقدير الإطعام فيها ، مثل كفارة الظهار والقتل إذا قيل : إن في كفارة القتل إطعاما على أحد القولين يقدر إطعام كل مسكين بمد واحد في أي بلد كفر ، ومن أي جنس أخرج ، وقد تقدم الكلام فيه مع  
أبي حنيفة   في كتاب الطهارة ، ومن الدليل عليه الكتاب والسنة والدليل .  
فأما الكتاب ، فقوله تعالى :  
من أوسط ما تطعمون أهليكم     [ المائدة : 89 ] فكان الأوسط محمولا على الجنس والقدر ، فأوسط القدر فيما يأكله كل إنسان رطلان من خبز ، والمد رطل وثلث من حب إذا أخبز كان رطلان من خبز هو أوسط الكفارة .  
وأما السنة فما  
أمر به النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الواطئ في شهر رمضان أن يطعم ستين مسكينا فقال : لا أجد ، فأتي بفرق من تمر ، فقال : أطعمه ستين مسكينا  ، والفرق : خمسة عشر صاعا يكون ستين مدا ، فجعل لكل مسكين مدا ، وأما الاستدلال فهو أن إطلاق الإطعام لو لم يقدر بالنص لكان معتبرا بالعرف ، وعرف من اعتدل أكله من الناس ، ولم يكن من المسرفين ولا من المقترين أن يكتفي بالمد في أكله ، وليس ينتهي إلى صاع ، هو عند  
أبي حنيفة   ثمانية أرطال ، وما خرج عن الفرق لم يعتبر إلا بنص .  
فإن قيل : فقد قدر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإطعام في فدية الأذى بمدين لكل مسكين ، فلما لا جعلتموه أصلا في كفارة اليمين وقدرتموه بمدين لكل مسكين ، قيل : لأمرين :  
أحدهما : أنه لما قدر في كفارة الواطئ بمد ، وفي كفارة الأذى بمدين ، وترددت كفارة اليمين بين أصلين وجب أن يعتبر الأقل لأنه تعين .  
والثاني : أنه لما خففت فدية الأذى بالتخيير بين الصيام والإطعام تغلظت بمقدار الطعام ، ولما غلظت كفارة الأيمان بترتيب الإطعام على الصيام تخففت بمقدار الإطعام تعديلا بينهما في أن تتغلظ كل واحدة من وجه ، وتتخفف من وجه .