[ ص: 319 ] باب ما يجزئ من الكسوة في الكفارة
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : "
وأقل ما يجزئ من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة أو سراويل أو إزار أو مقنعة وغير ذلك لرجل أو امرأة أو صبي ، ولو استدل بما يجوز فيه الصلاة من الكسوة على كسوة المساكين لجاز أن يستدل بما يكفيه في الشتاء والصيف أو في السفر من الكسوة ، وقد أطلقه الله فهو مطلق .
قال
الماوردي : خير الله تعالى المكفر عن اليمين بين ثلاثة أشياء : إطعام عشرة ، أو كسوة عشرة مساكين ، أو عتق رقبة ، وقد مضى الكلام في الإطعام ، فأما
الكسوة فليس لها أقل تعتبر به ، فاختلف الفقهاء فيها على خمسة مذاهب :
أحدها : وهو قول
عبد الله بن عمر : أنه لا يجزئ فيها أقل من
ثلاثة أثواب ، قميص ومئزر ورداء .
والثاني : وهو قول
أبي موسى الأشعري أنه لا يجزئ فيها أقل من ثوبين ، وبه قال
سعيد بن المسيب ،
والحسن ،
وابن سيرين .
والثالث : وهو قول
إبراهيم النخعي أنه لا يجزئ إلا كسوة ثوب جامع كالملحفة والكساء .
والرابع : وهو قول
مالك : إنه لا يجزئ من الكسوة إلا ما تجزئ فيه الصلاة ، إن كان لرجل فما يستر به ما بين سرته وركبته ، وإن كانت امرأة فما تستر به جميع بدنها .
والخامس : وهو قول
الشافعي وأبي حنيفة : إنه كسوة ثوب واحد ينطلق عليه اسم الكسوة ستر العورة أو لم يسترها ، وبه قال
ابن عباس ومجاهد وطاوس وعطاء ، والدليل على أن أصح الأقاويل ما ذهب إليه
الشافعي وأبو حنيفة من ثوب واحد ينطلق عليه اسم الكسوة سواء ستر العورة ، وأجزأت فيه الصلاة أم لا : لأمرين :
أحدهما : التزام يقيمه متفق عليه ، وما يجاوزه التزام زيادة يختلف فيها ، فاعتبر الأصل في براءة الذمة .
والثاني : أنه لا يخلو إطلاق الكسوة من اعتبارها بما انطلق عليه الاسم أو بما
[ ص: 320 ] دعت إليه الحاجة فلم يلزم اعتبارها بما دعت إليه الحاجة : لأنها تدعو إلى ما يدفئ من البرد في الشتاء ، ويقي من الحر في الصيف ، وإذا لم يغير ما دعت إليه حاجة الشتاء والصيف كان أولى أن لا يغير ما ذهب إليه
مالك من ستر العورة وإجزاء الصلاة من وجهين :
أحدهما : خروجه من اعتبار الاسم وهو أصل عن اعتبار الكفاية وهي عرف .
والثاني : أنه لو أعطاه من رقيق الثياب ما يعم العورة ولا يسترها لرقته أجزأه ، وإن لم تجز فيه الصلاة ؛ ولأنه لما استوى قدر الإطعام في الرجال والنساء وجب أن يستوي قدر الكسوة فيهما ، وفي اعتبار ستر العورة يوجب اختلاف القدر فيهما لاختلاف العورة منهما ، فكان ذلك مدفوعا ، وإذا بطل بما ذكرنا أن يعتبر ما زاد على انطلاق الاسم ثبت أن ما انطلق اسم الكسوة عليه هو المعتبر فنقول : كساه قميصا أو كساه منديلا وكساه سراويل وكذلك المقنعة والخمار فأجزاه ذلك كله ، وقال
أبو يوسف : لا تجزئه السراويل ؛ لأنه تبع لغيره ، وهذا فاسد بالعمامة والمنديل ، فأما القلنسوة ففي إجزائها وجهان :
أحدهما : يجوز : لأنها من جملة ما يكتسى .
والثاني : لا يجوز : لأنها زيادة ولا ينفرد بلباسها ، وقال
أبو الغياض البصري : إن كانت صغيرة تغطي نصف الرأس لم تجز وإن كانت كبيرة تعم الرأس وتغطي الآذان والقفا أجزأت ولا يجزئ أن يعطي خفين ولا نعلين ولا تكة ، ولا ما يلبس من العصائب ولا تجزئ منطقة ولا مكعب ولا هميان لخروج ذلك عن الكسوات الملبوسة .