فصل :
فإن كانت الكفارة على التخيير مثل كفارة اليمين لم يخل حاله فيها من أن يوصي بها أو لا يوصي ، فإن لم يوص بها وجب أن يخرج من رأس ماله أقل الأمرين من الإطعام أو الكسوة ، فإن عدل الوارث إلى أعلاهما أجزأه ، وإن عدل عنهما إلى العتق ، ففي إجزائه وجهان :
أحدهما : يجزئ لأنه يقوم في التكفير مقام الموروث فاستحق التخيير .
والوجه الثاني : أنه لا يجزئ لأنه أدخل في ولاية من لا يستحق عتقه ، ويشبه أن يكون هذان الوجهان مخرجين من اختلاف الوجهين فيما أوجبه التخيير في كفارة اليمين .
فإن قيل بوجوب أحدهما لا بعينه لم يجز العتق : لأنه لم يتعين في الوجوب ، وإن قيل : إنه موجب لجميعها وله إسقاط وجوبها بإخراج أحدها أجزأ ، وإن وصى بالتكفير عنه ، فإن لم يعين مما يكفر به كان كمن لم يوص فيما يكفر به عنه ، فيكون على ما مضى ، وتكون الوصية إذكارا أو توكيدا ، وإن عين ما يكفر به عنه لم يخل ما عينه من أحد ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يعين الإطعام الذي هو أقل ، فيكفر عنه بالإطعام ويكون من رأس المال إلا أن يجعله في الثلث فيصير بالوصية من الثلث .
والحال الثانية : أن يوصي بالكسوة وهو فوق الإطعام ودون العتق ، فيكون ما زاد على قيمة الإطعام من الثلث ، وهل يصير قدر قيمة الإطعام بذلك من الثلث أم لا ؟ على وجهين نذكرهما .
والحال الثالثة : أن يوصي بالعتق فيكون ما زاد على قيمة الإطعام من العتق من الثلث . وفي قدر قيمة الإطعام وجهان :
أحدهما : يكون في الثلث أيضا ، فيصير جميع قيمة العتق من الثلث ، فإن امتنع له الثلث أعتق عنه ، وإن ضاق عنه الثلث بطلت الوصية بالعتق ، وأطعم عنه من رأس المال ، ولم يجز أن يقيم قيمة الإطعام إلى ما عجز عنه الثلث من العتق ليستكمل به جميع العتق هذا هو الأظهر في مذهب
الشافعي ، والمعول من قول أكثر أصحابه .
والوجه الثاني : وهو محكي عن
أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي أنه يجعل في الثلث من قيمة العتق ما زاد على قيمة الإطعام ، ويكون قدر قيمة الإطعام
[ ص: 337 ] مستحقا من رأس المال لاستحقاق إخراجه من غير وصية ، فإذا ضاق الثلث عن قيمة العتق ، وكان في قيمة الإطعام ما يستكمل به قيمة العتق أعتق عنه ، وإن عجز عن قيمة العتق بطلت الوصية بالعتق وعدل عنه إلى الإطعام الذي هو فرضه من غير وصية ويكون من رأس ماله ؛ لأن الثلث محل الوصايا دون الفروض ، والله أعلم .