مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " فيخرج ببدنه متحولا ولا يضره أن يتردد على حمل متاعه وإخراج أهله : لأن ذلك ليس بسكنى " .
[ ص: 344 ] قال
الماوردي : اختلف الفقهاء فيمن
حلف لا يسكن دارا هو ساكنها ، بماذا يبر في يمينه على أربعة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب
الشافعي أنه يبر إذا انتقل منها ببدنه ولا اعتبار بنقل عياله وماله .
والثاني : وهو مذهب
مالك أنه لا يبر إلا أن ينتقل ببدنه وعياله ، ولا اعتبار بنقل ماله .
والثالث : وهو مذهب
أبي حنيفة ، أنه لا يبر ، حتى ينتقل ببدنه وعياله وماله ؟ فمتى خلف أحدها حنث .
والرابع : وهو مذهب
محمد بن الحسن أن بره معتبر بنقل بدنه وعياله ، وأن ينقل من ماله ما يستقل به ، وإن خلف فيها ما لا يستقل به في سكناها بر ، وإن خلف ما يستقل به في سكناها حنث ، واستدلوا على اختلاف مذاهبهم في أن البر لا يختص ببدنه دون عياله وماله بأمرين :
أحدهما : أن من استضاف رجلا ببدنه لم ينسب إلى السكنى عنده لخروجه عن عرف السكنى ، فصار العيال والمال من جملة السكنى .
والثاني : أن من خلف عياله وماله في داره ، وخرج منها إلى دكانه ، أو بستانه لا يشار بسكناه إلى مكانه ، ويشار به إلى داره المشتملة على عياله وماله .
ودليلنا قول الله تعالى :
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم [ إبراهيم : 37 ] ، فكان
بالشام وولده وأمه
بمكة ، فلم يخرج عن سكنى
الشام ، وإن كان عياله في غيرها .
ولأنه لو جاز أن يكون ساكنا فيها بعد الانتقال عنها ببدنه ، لبقاء عياله وماله لوجب إذا سافر ببدنه أن يكون كالمقيم في المنع من قصره وفطره ، فلما أجري عليه حكم السفر وجب أن يجري عليه حكم الانتقال ؛ ولأن المتمتع بالعمرة إلى الحج لو أقام
بمكة كان كالمستوطن لها في سقوط الدم عنه ، وإن كان عياله وماله في غيرها ، فدل على أن الاعتبار ببدنه دون عياله وماله ، وقد قال
الشافعي : أنا مقيم
بمصر ، وأهلي وولدي وكتبي
بمكة أفتراني ساكنا
بمكة ؛ لأنه علق يمينه بفعله فوجب أن يكون حكمها موقوفا عليه دون غيره ؛ لأن الأحكام تتعلق بحقائق الأسماء .
وأما الجواب عن استشهادهم بالضيف فهو أنه نزلها ضيفا ، فلم ينطلق عليه اسم السكنى ، وإن كان مع عياله وماله ، وليس كذلك إذا قصد السكنى ، فكان اختلاف الاسمين
[ ص: 345 ] لاختلاف المقصدين موجبا لاختلاف الحكمين ، وبمثله يجاب عن استشهادهم الثاني من الخارج إلى دكانه وبستانه .