فصل : وأما ما اختلف باختلاف الأحوال من بيوت النقلة للبوادي وبيوت الاستقرار لأهل الأمصار ، فلا يختلف مذهب
الشافعي وسائر أصحابه ، أن
بيوت الاستقرار ، من أبنية أهل الأمصار والقرى يحنث الحالف بسكناها بدويا ، كان أو قرويا ، لأمرين :
أحدهما : انطلاق اسم الحقيقة عليها ، ووجود عرف الاستعمال فيها ، فاقترن بحقيقة الاسم عرف الاستعمال .
وأما بيوت النقلةمن خيم الشعر ، وفساطيط الأدم ، فقد قال
الشافعي يحنث بسكناها البدوي ، والقروي ، فلم يختلف أصحابه أن الحالف لا يسكن بيتا ، إذا كان
[ ص: 352 ] بدويا حنث بسكناها ، لانطلاق اسم الحقيقة عليها ووجود عرف الاستعمال فيها ، وإن كان الحالف قرويا ، فقد اختلف أصحابه هل يحنث بسكناها ؟ على وجهين :
أحدهما : - وهو قول
ابن سريج - لا يحنث بسكناها ، إذا كان قرويا لم تجر عادته بسكناها ، وحمل كلام
الشافعي على أهل قرى عربية ، يسكن أهلها بيوت المدر تارة ، وبيوت الشعر أخرى ، فأما من لا يسكن إلا بيوت المدر ، فلا يحنث بسكنى بيوت الشعر والأدم ، وبه قال
أبو حنيفة لخروجها عن العرف والعادة ، كما لو حلف لا يأكل رءوسا ، لم يحنث برءوس الطير والجراد ، حتى يأكل رأس النعم من الإبل ، والبقر ، والغنم وإن انطلق اسم الحقيقة على جميعها اعتبارا بالعرف والعادة ، وكذلك لو
حلف لا يأكل بيضا لم يحنث ببيض السمك والجراد ، وإن انطلق اسم البيض عليها حقيقة ، حتى يأكل من البيض ما فارق بائضه حيا اعتبارا بالعرف .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي إسحاق المروزي ، وأكثر المتأخرين أنه يحنث القروي بسكناها ، كما يحنث البدوي لأمرين :
أحدهما : انطلاق اسم الحقيقة عليها .
والثاني : اقتران عرف الاستعمال فيها ، وإن خرجت عن عادة الحالف لوجودها في غيره كما حنث البدوي بسكنى بيوت المدر .
وإن خرجت عن عادته ، لوجودها في غيره ، وكما لو حلف عراقي من أهل اليسار ، أن لا يأكل خبزا حنث بخبز الذرة ، والأرز ، وإن خرج عن عرفه وعادته ، لوجودها في غيره
فلا يعتبر في الأيمان عادة الحالف إذا وجدت في غيره ، ويعتبر في الوكالة عادة الموكل دون غيره ، فإذا وكله في شراء الخبز ، وعادته أكل البر فاشترى له حب الأرز لم يلزمه ، ولو
حلف لا يأكل الخبز وعادته أكل البر فأكل حب الأرز حنث .