فصل : فإذا ثبت تعليل ما ذكرنا من هذه الأوجه الأربعة ، فإن قيل : بوقوع الحنث بهذا الدخول حنث إذا
جمعهما بيت واحد ، فإن كانا في بيتين من دار واحدة لم يحنث لأنه لا يكون داخلا عليه بيتا ، وإن جمعتهما دار واحدة ، فإن كانت صغيرة لا يفرق المتبايعان فيها حنث ؛ لأن اسم البيت منطلق على الدار عرفا ؛ لأنه مشتق من المبيت ، وإن كانت الدار كبيرة ، وكل واحد منهما بمكان يفترق المتبايعان منه لم يحنث ، وكان
أبو العباس بن سريج يرى أنه لا يحنث حتى يدخل عليه ، وهو في بيت من الدار ، فإن دخل عليه وهو في صحنها أو صفتها لم يحنث اعتبارا بحقيقة اسم البيت أنه منطلق على ما تميز من الدار بهذا الاسم كما لو
قال : والله لا دخلت بيتا فدخل صحن الدار أو صفتها ، أو استطرق دهليزها لم يحنث ، وبينهما فرق يمنع من التساوي ، وإن كان
أبو حنيفة يسوي بينهما في الحنث كما سوى
أبو العباس بينهما في البر .
وإن قيل : بأن الحنث لا يقع بهذا الدخول ، فإن بادر بالخروج ساعة دخوله أو بادر المحلوف عليه بالخروج لم يحنث ، وإن لم يخرج واحد منهما في الحال ففي حنثه قولان ، فمن
حلف لا يدخل دارا وهو داخلها ، هل يحنث بالاستدامة كما يحنث بالابتداء أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : يحنث هذا إذا جعل الاستدامة كالابتداء .
والثاني : لا يحنث إذا فرق بين الاستدامة والابتداء ، فلو
دخل المحلوف عليه بيتا على الحالف فإن بادر الحالف بالخروج منه لم يحنث ، وإن أقام فيه ، فإن قيل : إن استدامة الدخول لا تكون دخولا لم يحنث الحالف هاهنا .
وإن قيل : إن استدامة الدخول تكون كابتدائه ، ففي حنث الحالف هاهنا وجهان :
أحدهما : يحنث لأنه قد صار كالداخل .
والوجه الثاني : لا يحنث لأنه مدخول عليه ، وليس بداخل على المحلوف عليه ، والله أعلم .