الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما المسألة الثانية المتفق عليها ، فهي أن يحلف ليقضينه حقه إلى رمضان ، فجعل رمضان غاية وحدا ؛ لأنه علقه بحرف وضع للغاية والحرف هو " إلى " ، فيكون زمان بره من وقت يمينه إلى أول جزء من ليلة رمضان ، كما قال تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل [ البقرة : 187 ] ، فكان زمان الصيام إلى أول جزء من أجزاء الليل ، فإن لم يقضه حقه حتى دخل أول جزء من ليلة رمضان حنث ، ويجيء على مذهب مالك أنه لا يحنث إلا بانقضاء يوم وليلة منه ، فإن شرع في قضاء الحق قبل رمضان وكمله في رمضان لطول زمانه بر ؛ لأن الشروع في القضاء كالقضاء ، فإن أخر القضاء في ليلة شك في دخول رمضان ، ثم بان أنها من رمضان ، ففي حنثه قولان كالناسي والمكره ، فإن قال : أردت بقولي إلى رمضان أي : في رمضان ، دين في الباطن لاحتمال ما أراد لأنها حروف تقام بعضها مقام بعض ، كقول الله تعالى : ولأصلبنكم في جذوع النخل [ طه : 71 ] ، أي : عليها فأما في ظاهر الحكم فيحنث إذا تعلق بيمينه حق آدمي من طلاق أو عتاق اعتبارا بحقيقة اللفظ دون مجازه ، فإن حلف لأقضينك حقك عند رمضان لم يبر بقضائه قبل رمضان ؛ لأن كلمة " عند " موضوعة للمقاربة ، فإذا أهل رمضان احتمل ما يعتبر في بره وجهين :

أحدهما : يعتبر بإمكان القضاء عند دخوله ، فإن أخره حنث كما لو قال عند رأس الشهر .

والوجه الثاني : يكون جميع الشهر وقتا للبر ؛ لأنه لم يعين على جزء منه ، فصار حكم آخره كحكم أوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية