مسألة : قال
الشافعي : " ومن
حلف لا يفعل فعلين أو لا يكون أمران ، لم يحنث حتى يكونا جميعا وحتى يأكل كل الذي حلف أن لا يأكله " .
قال
الماوردي :
عقد اليمين على فعلين ضربان :
أحدهما : أن يعقد على إثباتهما .
والثاني : أن يعقد على نفيهما .
فإن كانت معقودة على إثباتهما كقوله : والله لآكلن هذين الرغيفين ، ولألبسن هذين الثوبين ، ولأركبن هاتين الدابتين ، فلا خلاف بين القضاء أنه لا يبر إلا بفعلهما فيأكل الرغيفين ، ويلبس الثوبين ويركب الدابتين ، فإن أكل أحد الرغيفين ولبس أحد الثوبين وركب إحدى الدابتين لم يبر ، وهذا متفق عليه ، وإن كانت اليمين معقودة على نفي فقال : والله لا أكلت هذين الرغيفين ، ولا لبست هذين الثوبين ، ولا ركبت هاتين الدابتين ، فمذهب
الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحنث إلا بهما ، كما لا يبر إلا بهما ، فإن أكل أحد الرغيفين ، ولبس أحد الثوبين ، وركب إحدى الدابتين لم يحنث .
وقال
مالك : يحنث بفعل أحدهما ، وإن لم يبر إلا بهما وفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الإثبات إباحة ، والنفي حظر ، والحظر أغلب من الإباحة .
والثاني : أن الأيمان موضوعة على التغليظ ، والتغليظ في النفي أن يحنث بأحدهما ، وفي الإثبات أن لا يبر إلا بهما ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن
فعل بعض الشيء لا يقوم مقام فعل جميعه في النفي والإثبات معا وفاقا وشرعا ؛ لأنه لو
حلف لا يدخل هذه الدار ، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يحنث .
ولو حلف ليدخلنها ، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يبر ، وهذا وفاق قد ورد به الشرع ، قد اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مساجده فأدخل رأسه منه إلى حجرة
عائشة رضوان الله عليها لتغسله ، ولم يؤثر في اعتكافه .
[ ص: 380 ] وقال لبعض أصحابه ، وهو في
المسجد الحرام :
لقد أنزلت علي آية لم تنزل على أحد قبلي إلا على أخي سليمان ، قال : يا رسول الله ، أي آية هي ؟ قال : لا أخرج من المسجد حتى أعلمك فتوجه للخروج ، وقدم إحدى رجليه فأخرجها ، ثم قال للرجل : بم تستفتح صلاتك قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : " هي ، هي " .
فدل على أن إخراج إحدى رجليه لا يكون خروجا ، وإذا كان
بعض الفعل لا يقوم مقام جميع الفعل ، فأحد الفعلين أولى أن لا يقوم مقام الفعلين .
والثاني : أنه لما استوى الفعلان في شرط البر وجب أن يستويا في شرط الحنث ، لتردد اليمين بين بر وحنث ، وفرق ما بينهما منتقض بفعل بعض الشيء حيث لم يقم مقام جميعه في الإثبات والنفي معا مع وجود الحظر والإباحة فيهما .