مسألة : قال
الشافعي : " ولو قال : والله لا أشرب ماء هذه الإداوة ، أو ماء هذا النهر ، لم يحنث حتى يشرب ماء الإداوة كله ، ولا سبيل له إلى شرب ماء النهر كله ، ولو قال : من ماء هذه الإداوة ، أو من ماء هذا النهر ، حنث إن شرب شيئا من ذلك " .
قال
الماوردي : أما إذا
حلف لا شربت من ماء هذه الإداوة ، ولا شربت من ماء هذا النهر ، فاليمين معقودة على بعض ماء الإداوة وبعض ماء النهر ، لدخول حرف التبعيض عليها ، وهو قوله : " من " فأي قدر شرب من ماء الإداوة وماء النهر حنث من قليل وكثير ، وكذا في الإثبات لو حلف ليشربن من ماء هذه الإداوة أو من ماء هذا النهر ، فأي قدر شرب منهما من قليل أو كثير بر في يمينه ارتوى به أو لم يرتو .
فأما إذا حذف من يمينه حرف التبعيض فأطلقها ، فقال : والله لأشربن ماء هذه الإداوة لم يحنث بشرب بعضه ، وإن حنثه
مالك ؛ لأن الحقيقة في إطلاق اليمين توجب الاستيعاب فإن قيل : أفليس لو
قال : والله لا أكلت طعاما اشتراه زيد ، فأكل بعضه حنث ، فهلا حنث بشرب بعض الماء ، كما حنث بأكل بعض الطعام .
قيل : لا يختلف المذهب أنه لا يحنث بشرب بعض الماء وفي حنثه بأكل بعض الطعام وجهان :
أحدهما : أنه كما لا يحنث بأكل بعضه فعلى هذا قد استويا .
والوجه الثاني : وهو اختيار
أبي علي بن أبي هريرة ، أنه يحنث بأكل بعض الطعام ، وإن لم يحنث إلا بشرب جميع الماء ، والفرق بينهما أن الماء في الإداوة مقدار ينطلق على جميعه ، ولا ينطلق على بعضه ، فلذلك لم يحنث بشرب بعضه وشراء زيد للطعام صفة تنطلق على بعضه ، كما تنطلق على جميعه ، فلذلك حنث بأكل بعضه ، فإذا ثبت أن الحنث في الإداوة يقع بشرب مائها كله ، ولا يحنث بشرب بعضه ، فذهب
[ ص: 381 ] من ماء الإداوة قطرة انحلت اليمين لأنه لا حنث فيها إن شرب باقي مائها ، فلو شك أذهب منها قطرة أو لم يذهب ، فشرب جميع مائها ، ففي حنثه وجهان :
أحدهما : يحنث ؛ لأن ذهاب القطرة مشكوك فيه .
والوجه الثاني : لا يحنث ؛ لأن الحنث مشكوك فيه .