فصل : فإذا صح أن ما وصفناه من صلاة الخوف أولى وأصح فينبغي
للإمام إذا صلى بالطائفة الأولى ركعة أن يقوم إلى الركعة الثانية منتظرا لفراغ الطائفة الأولى ودخول الطائفة الثانية ، فإن اعتدل قائما في الركعة الثانية أخرجت حينئذ الطائفة الأولى نفسها من صلاته وأتموا لأنفسهم ولا بد أن ينووا الخروج من صلاته عند مفارقته ، فإن فارقوه بغير نية بطلت صلاتهم لأنه
لا يجوز للمصلي أن يسبق إمامه في أفعال الصلاة وهو مؤتم به ، فإذا نووا إخراج أنفسهم عند قيامهم أتموا الصلاة وأجزأتهم .
فلو خالف الإمام فانتظرهم جالسا بطلت صلاته : لأن فرضه القيام ، ومن استدام الجلوس في موضع القيام بطلت صلاته ، فأما الطائفة الأولى فصلاتهم جائزة ؛ لأنهم أخرجوا أنفسهم من إمامته قبل بطلان صلاته ، لأن صلاته بطلت باستدامة الجلوس لا بابتدائه وهم أخرجوا أنفسهم مع ابتداء جلوسه ، فأما الطائفة الثانية فصلاتهم باطلة إن علموا بحاله وجائزة إن لم يعلموا بحاله .
فإذا صح أن الإمام ينتظرهم قائما في الثانية ، فهل يقرأ في انتظاره قائما أم لا ؟ : على قولين :
أحدهما : وهو قوله في الأم : يذكر الله سبحانه ويسبحه ولا يقرأ إلا بعد دخول الطائفة معه ليسوي بين الطائفتين في القراءة ولا يفضل .
[ ص: 463 ] والقول الثاني : قوله في الإملاء بأنه يقرأ ؛ لأن القيام محل للقراءة لا للإنصات والذكر ، وكان
أبو إسحاق المروزي يمتنع من تخريج ذلك على قولين ، ويقول : المسألة على اختلاف حالين ، فقول
الشافعي في الأم : لا يقرأ إذا علم أنه إن قرأ لم تدرك الطائفة الثانية معه القراءة ، وقوله في الإملاء : يقرأ إذا علم أنهم يدركون معه القراءة وعلى كلا الحالين لا ينبغي أن يركع قبل دخول الثانية معه فإن ركع وأدركوه راكعا أجزأتهم الركعة .
وإن كان الإمام مخالفا صلاة الخوف ، مفضلا للطائفة الأولى على الثانية فإذا رفع رأسه من السجود وجلس للتشهد ، فهل يفارقونه قبل تشهده أو بعده على قولين :
أحدهما : بعد تشهده ؛ لأن عليهم اتباعه إلى آخر صلاتهم كغيرهم من المأمومين .
والقول الثاني : وهو أصح يفارقونه قبل تشهده ؛ لأن ذلك أسرع في الفراغ ، فعلى هذا إذا فارقوه قبل التشهد فهل يتشهد قبل فراغهم أم لا ؟ على وجهين من القولين في القراءة .
أحدهما : يتشهد في انتظاره ، فإذا أتموا تشهد بهم وسلم وهو الصحيح .
والوجه الثاني : أن يجلس منتظرا يذكر الله تعالى ويسبحه فإذا أتموا تشهد بهم وسلم ، ولا يجوز لهم إذا فارقوه لإتمام صلاتهم أن ينووا الخروج من إمامته بخلاف ما قلنا في الطائفة الأولى .
فالفرق بينهما أن الأولى تريد سبق الإمام ولا يمكنهم سبقه مع الإتمام به ، والثانية تريد لحوق الإمام فلم يجز لهم الخروج عن إمامته .