فصل : والضرب الثاني : أن يفطر فيها بعذر ،
والأعذار التي يستباح بها الفطر أربعة : الحيض ، والنفاس ، وهما مختصان بالنساء دون الرجال ، فأما الحيض فلا يبطل تتابع الصوم سواء كان مستحقا بالشرط ، أو الزمان لأنه معهود ، ولا يمكن التحرز منه ، وفي وجوب قضاء أيام الحيض قولان :
أحدهما : لا يجب قضاؤها ، لاستثنائها بالشرع كاستثناء رمضان والعيدين وأيام التشريق .
والقول الثاني : يجب قضاؤها كما أوجبه الشرع من قضاء أيام الحيض في صوم
[ ص: 492 ] الفرض ، وخالف ما عداه من الأيام المستثناة لعموم استثنائها في حق كل نادر ، وخصوص استثناء الحيض في حق الحائض ، وحكم الفطر بالنفاس كحكم الفطر بالحيض ، وإن خالفه في اشتراكهما في أحكام الحظر والإباحة .
فإن قيل : فقد جعلتم قضاء أيام الحيض موجبا لدخوله في نذرها ، ولو نذرت صيام أيام حيضها ، بطل نذرها ، ولم يلزمها القضاء ، فهلا كانت هذه كذلك !
قيل : لأن إفرادها بالنذر يجعله معقودا على معصية ، فيبطل ، ولا يجعله إذا دخل في العموم معقودا على معصية فلزم .
وأما الفطر بالمرض فلا يبطل به التتابع المستحق بالزمان ، وفي إبطاله التتابع المستحق بالشرط قولان :
أحدهما : لا يبطل به كما لا يبطل بالحيض ، لأنه عذر لا يمكن الاحتراز منه .
والقول الثاني : يبطل به التتابع ، وإن لم يبطل بالحيض ، لأن فطر الحيض معهود ، وفطر المرض نادر .
فإن قيل : بأنه يبطل التتابع لزمه أن يستأنف قضاء سنة كاملة إلا شهر رمضان ، والخمسة المحرمة .
وإن قيل : إنه غير مبطل للتتابع كالحيض ، ففي وجوب قضاء ما أفطر بالمرض قولان كالفطر بالحيض .
وأما الفطر بالسفر ففيه قولان :
أحدهما : أنه كالمرض لاشتراكهما في إباحة الفطر شرعا ، فيكون الفطر به كالفطر بالمرض .
والقول الثاني : أنه كالفطر بغير عذر ، لقدرته على الصيام ، فخالف المرض العاجز عنه ، فيكون الفطر به كفطر غير المعذور .