مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
قال : لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان ، فقدم ليلا فلا صوم عليه ، وأحب لو صام صبيحته ، ولو قدم نهارا هو فيه صائم تطوعا كان عليه قضاؤه ؛ لأنه نذر ، وقد يحتمل القياس أن لا يكون عليه القضاء من قبل أنه لا يصلح بأن يكون فيه صائما عن نذره ( قال
المزني ) يعني أنه لا صوم لنذره إلا بنية قبل الفجر ولم يكن له سبيل إلى أن يعلم أن عليه صوما إلا بعد مقدمه ( قال
المزني ) : قضاؤه عندي أولى به ( قال
المزني ) : وكذلك الحج إذا أمكنه قبل موته ، فرض الله عز وجل صوم شهر رمضان بعينه ، فلم يسقط بعجزه عنه بمرضه ( قال
المزني ) - رحمه الله - : قال الله :
فعدة من أيام أخر وأجمعوا أنه لو أغمي عليه الشهر كله ، فلم يعقل فيه أن عليه قضاءه والنذر عنده واجب ، فقضاؤه إذا أمكنه ، وإن ذهب وقته واجب ، وقد قطع بهذا القول في موضع آخر . قال
الشافعي : ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أحببت أن يعود لصومه لنذره ويعود لصومه لقدوم فلان " .
قال
الماوردي : وفي انعقاد هذا النذر ، إذا قال : " لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان " قولان :
أحدهما : أن نذره باطل غير منعقد ؛ لأمرين :
أحدهما : أن تقديم النية في صيام النذر مستحق في الليل ، ولا يجوز تقديمها قبل العلم بوجوبه .
والثاني : أن قدومه فيه يمنع من إجزاء الصوم قبله ، وقد مضى من النهار بعضه ،
[ ص: 497 ] فلم يجز لتقدمه وبقاء بعضه ، فلم يصح صوم بعضه ، وهذا تعليل ابن
أبي هريرة ؛ فلهذين التعليلين بطل نذره ولم يلزمه قضاؤه ، كمن نذر صيام الأيام المحرمة .
والقول الثاني : وهو الأصح ، واختاره
المزني أن نذره منعقد وقضاءه واجب لأمرين :
أحدهما : ما استدل به
المزني .
والثاني : أنه نذر انعقد على استقبال صيام في زمان يجوز فيه الصيام ، فصار كسائر الأيام ، وعلى هذا يكون التفريع ، فإن قدم بفلان ميتا ، سقط فرض الصيام لعدم الشرط ، وإن قدم فلان حيا ، لم يخل مقدمه من أن يكون ليلا أو نهارا ، فإن قدم ليلا ، سقط فرض الصيام لأنه لما علقه باليوم صار النهار شرطا في وجوبه ، وذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الصيام عليه في غده تعليلا بأن العرب تعبر بالليالي عن الأيام ، وعن الليالي بالأيام ، ولذلك ما استحب
الشافعي أن يصوم صبيحة ليلته .
ولو قدم نهارا لم يخل حال الناذر أن يكون فيه صائما ، أو مفطرا ، فإن كان فيه مفطرا ، فيستحب له أن يمسك بقية يومه ، وإن لم يجب عليه الإمساك كالمسافر إذا قدم في يوم قد أفطر في أوله ، استحببنا له أن يمسك في بقيته ، وإن لم يجب عليه الإمساك ، وإن كان الناذر في يوم القدوم صائما لم يخل صومه من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون تطوعا ، فيكون فيه على حكم تطوعه ، ولا يجزئه عن نذره ، وفي انحتام صيامه عليه وجهان :
أحدهما : ينحتم صومه عليه ، لأنه قد كان عند الله تعالى مستحقا في نذره .
والوجه الثاني : لا ينحتم صومه عليه ، ويكون على اختياره فيه ، وهو أظهر اعتبارا بما انعقدت نيته عليه من تطوعه .
والقسم الثاني : أن يكون
صيامه عن فرض وجب عليه فهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون فرض صيام متعينا في يوم ، وذلك صيامان :
أحدهما : فرض رمضان .
والثاني : لنذر تقدم منه ، تعين عليه في يومه ، فيستكمل صوم يومه عن فرضه الذي دخل فيه ، ولا يجب عليه قضاؤه ، لعدم استحقاقه ، ويستحب لو أعاده ، ولا يكون فرضه مشتركا ، وعليه قضاء نذره المستقبل فيصوم يومين فرضا ويوما مستحبا .
والضرب الثاني : أن يصومه عن فرض لم يتعين فيه ، كقضاء رمضان ، وصوم الكفارة ، فعليه إتمامه عن فرضه الذي نواه ، وفي وجوب قضائه عن ذلك الفرض وجهان :
[ ص: 498 ] أحدهما : - وهو قول
أبي إسحاق المروزي - يلزمه قضاؤه ، ولا يجب عليه ، لدخوله فيه عن نية انعقدت به ، ثم عليه أن يقضي صوم نذره ، ويصوم على قول
أبي علي بن أبي هريرة ثلاثة أيام : يوما عن فرضه ، ويوما عن نذره ، ويوما مستحبا .
والقسم الثالث : أن يصوم عن نذره في يوم القدوم وهو على ضربين :
أحدهما : أن لا يعلم بقدومه فيه ، فلا يجزئه صيامه عن نذره ، لعدم علمه كما لا يجزئه صيام يوم الشك مع عدم علمه .
والضرب الثاني : أن يكون قد علم أنه سيدخل فيه لقربه منه ففي إجزائه وجهان :
أحدهما : - وهو قول
أبي إسحاق المروزي - إنه يجزئه لأنه قد نواه على علم به .
والثاني : - وهو مقتضى تعليل ابن
أبي هريرة - أنه لا يجزئه ، لأنه قد صام أوله قبل مقدمه ، ولأنه قد يجوز أن يتأخر عنه ، مع الاختيار منه ، فلا يصير عالما بمقدمه .