فصل : [ النظر ] .
وأما الشرط الرابع وهو النظر فهو على ضربين عام وخاص :
فأما العام : فهو أن يقلده النظر في جميع الأحكام فتكون ولايته مشتملة على جميع ما يختص بنظر القضاة وتشتمل على عشرة أقسام :
أحدها :
تثبيت الحقوق عند التناكر من ديون في الذمم وأعيان في اليد بعد سماع الدعوى وسؤال الخصم ، وثبوتها يكون من أحد الوجهين : إقرار أو بينة .
والقسم الثاني :
استيفاء الحقوق بعد ثبوتها عند التمانع والتدافع فإن كانت في الذمة ألزم الخروج منها وحبس بها وإن كانت أعيانا سلمها إن امتنع الخصم من تسليمها .
والقسم الثالث :
النظر في العقود من المناكح والبيوع وغيرها عند الاختلاف فيها ليحكم باجتهاده في صحتها وفسادها والتحالف عليها .
[ ص: 19 ] والقسم الرابع :
فصل التشاجر في حقوق الأملاك من الشفعة والمياه والحدود والاستطراق والعمل بشواهد الأبنية . فأما مخارج الأبنية والأجنحة إلى الطرقات ومقاعد الأسواق .
فإن جاءه فيه متظلم نظر فيه ودخل في ولايته .
وإن لم يأت فيه متظلم دخل في الحسبة وكان أحق بالنظر فيه فإن لم يفتقر إلى اجتهاد تفرد المحتسب به وإن افتقر إلى اجتهاد كان القاضي أحق بالاجتهاد فيه وأولى من المحتسب يكون المحتسب فيه منفذا لحكم القاضي .
والقسم الخامس :
الولاية على الأيامى في عقود مناكحهن لأكفائهن عند عدم أوليائهن أو غفلهن . وأسقط
أبو حنيفة - رحمه الله - هذا القسم من ولايته مع البلوغ لتجويزه لهن أن ينفردن بالعقد على أنفسهن .
والقسم السادس :
الولاية على ذوي الحجر بصغر أو جنون إذا عدم أولياء النسب أو لسفه يوقع به الحجر لا تعتبر فيه ولاية ذي النسب ويرتفع بإيناس الرشد وفك الحجر .
فأما أموال الغائبين عنها : فإن علموا بها فلا نظر للقاضي فيها لوقوفها على اختيار أربابها وإن لم يعلموا بها ، لأنهم ورثوها وهم لا يعلمون فهي داخلة في نظر القاضي وعليه حفظها حتى يقدموا أو يوكلوا فتخرج حينئذ من نظره .
القسم السابع :
الحكم بنفقات الأقارب والزوجات والعبيد وتقديرها برأيه واجتهاده .
والقسم الثامن :
النظر في الوقوف والوصايا إن لم يكن فيها ناظر تولاها وإن كان فيها ناظر واعاها فإن كانت لمعينين سقط الاجتهاد فيهم وإن كانت لموصوفين تعينوا باجتهاد الناظر قبل الحكم وباجتهاد القاضي عند الحكم .
والقسم التاسع :
النظر في التعديل والجرح والتقليد والعزل يعمل فيه على اجتهاده سواء وافق فيه اجتهاد من قلده أو خالفه إلا في التقليد والعزل فيكون اجتهاد من قلده ففيه أنفذ .
والقسم العاشر :
إقامة الحدود على مستحقيها فيما تعلق بحقوق الآدميين من إقامة حد القذف بالزنا والقصاص في الجنايات على النفوس والأطراف .
فأما ما تعلق منها بحقوق الله المحضة كحد الزنا وشرب الخمر وتارك الصلاة فإن تعلقت باجتهاد كان القاضي أحق بها لاختصاصه بالاجتهاد في الأحكام ويأمر ولاة المعاون باستيفائها وهو أولى من مباشرتها بنفسه ، وعليهم أن يعملوا بأمره فيها .
[ ص: 20 ] وإن لم يتعلق باجتهاد كان الأمير أحق بها لتعلقها بتقويم السلطنة فإن تعلق بها سماع البينة سمعها القاضي واستوفاها الأمير .
فأما
قبض الصدقات وتفريقها في ذوي السهمان .
فإن قلد الإمام عليها ناظرا كان أحق بها من القاضي .
وإن لم يقلد عليها ناظرا ففي استحقاق القاضي النظر فيها بمطلق ولايته وجهان :
أحدهما له النظر فيها لأنها من حقوق الله فيمن أسماه لها .
والوجه الثاني : ليس له النظر فيها ، لأنها من حقوق الأموال التي تحمل على اجتهاد الأئمة .
فأما أموال الفيء فليس له التعرض لها وجها واحدا ، لأن وجوه مصرفها موقوف على اجتهاد الأئمة .
فأما الإمامة في صلاة الجمع والأعياد ، فإن ندب لها إمام كان أحق بها من القاضي .
وإن لم يندب لها إمام ففي اختصاص القاضي بإقامتها وجهان :
أحدهما : يقيمها لأنها من حقوق الله العامة .
والثاني : لا حق له في إقامتها ، لأن الأمراء بها أخص فهذا حكم النظر العام .
تحديد سلطات القاضي :
فأما
النظر الخاص : فهو أن يقلد النظر في المداينات دون المناكح أو الحكم بالإقرار من غير سماع بينة أو في نصاب مقدر من المال لا يتجاوزه فهذا جائز ويكون مقصور النظر على ما قلده قال
أبو عبد الله الزبيري : لم يزل الأمراء عندنا
بالبصرة برهة من الدهر يستقضون على المسجد الجامع قاضيا يسمونه قاضي المسجد يحكم في مائتي درهم وعشرين دينارا فما دونها ويفرض النفقات ولا يتعدى بها موضعه ولا ما قدر له .
وإذا
قلد النظر في المناكح جاز أن يحكم بجميع ما تعلق بها من صداق وفرض ونفقة وسكنى وكسوة ويزوج الأيامى ولا يحكم فيما بين الزوجين من المداينات ويجوز أن يحكم بأجرة الرضاع ولا يحكم بنفقة الأولاد ويحكم بنفقة خادم الزوجة ولا يحكم بنفقة خادم الزوج .
وإذا
قلد النظر في نصاب مقدر بمائتي درهم فنظر فيها بين خصمين جاز أن ينظر بينهما ثانية في هذا القدر وثالثة .
[ ص: 21 ] وإذا كان بين شريكين أربعمائة درهم فأراد أن ينظر فيها جاز إذا كانت دعوى الشريكين متفرقة ، ولم يجز إن كانت دعواهما واحدة .
وإذا أراد أن ينظر في عروض قيمتها مائتا درهم جاز إلا عن نهي تغليبا لحكم التقدير دون الجنس فهذا حكم الشرط الرابع .