مسألة :
وجوب الاستنجاء
قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإن جاء من الغائط أو خرج من ذكره أو من دبره شيء فليستنج بماء أو يستطيب بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال الاستنجاء واجب .
وقال
أبو حنيفة : الاستنجاء ليس بواجب والصلاة بتركه مجزية ، وجعل محل الاستنجاء مقدارا يعتبر به سائر النجاسات وحده بالدرهم البغلي استدلالا برواية
أبي سعيد عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920726 " من اكتحل فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " ، فلما قرنه بالاكتحال ووضع الحرج عن تاركه دل على عدم إيجابه ، ولأنها نجاسة لا يلزمه إزالة أثرها فوجب أن لا يلزمه إزالة عينها كدم البراغيث .
ولأنها نجاسة لا تجب إزالتها بالماء فلم تجب إزالتها بغير الماء قياسا على الأثر . ودليلنا عموم قوله تعالى :
والرجز فاهجر [ المدثر : 5 ] ولم يفرق ورواية
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920700 " إنما أنا لكم مثل الوالد إلى قوله
فليستنج بثلاثة أحجار " . وهذا أمر يقتضي الوجوب وروى
عروة عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920728 " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه " ، فلما أمر بالأحجار وعلق الإجزاء بها دل على وجوبها وعدم الإجزاء بفقدها ، ولأنها نجاسة يقدر في الغالب على إزالتها من غير مشقة فاقتضى أن تكون إزالتها واجبة قياسا على ما زاد على قدر الدرهم ،
[ ص: 160 ] ولأن كل ما منع من الصلاة إذا زاد على قدر الدرهم منع منها وإن نقص عن الدرهم قياسا على ما لم يصبه الماء من أعضاء الحدث ، ولأنها طهارة بمائع أقيم فيها الجامد مقامه فاقتضى أن تكون واجبة كالتيمم .
فأما الجواب عن قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920729من استجمر فليوتر ومن لا فلا حرج من وجهين :
أحدها : أن قوله " ومن لا " عائد إلى الإيتار فإذا تركه إلى الشفع فلا حرج عليه .
والثاني : أنه عائد إلى ترك الأحجار إلى الماء فلا حرج فيه ، وأما قياسهم على دم البراغيث فمنتقض على أصلهم بالمني يجب عندهم إزالة عينه دون أصله ، ثم المعنى في دم البراغيث لحوق المشقة في إزالته وكذلك قياسهم على الأثر فالمعنى فيه أنه يشق إزالته بالحجر .
فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من وجوب الاستنجاء فاعلم أن
الخارج من السبيلين ينقسم ثلاثة أقسام :
قسم يوجب الاستنجاء وهو الغائط والبول وكل ذي بلل خرج من السبيلين .
وقسم
لا يوجب الاستنجاء وهو الصوت والريح لأن الاستنجاء موضوع لإزالة النجس ، والصوت والريح لا ينجس ما لاقاه فلم يجب الاستنجاء منه ، كما أنه لم ينجس الثوب فلم يجب غسله منه .
والقسم الثالث : ما اختلف قوله في وجوب الاستنجاء منه وهو ما خرج من السبيلين من الأعيان التي لا بلل معها كالدود والحصى إذا خرجا يابسين ، ففي وجوب الاستنجاء منه قولان :
أحدهما : لا يجب لعدم البلل كالصوت والريح .
والثاني : يجب لوجود العين كالغائط والبول .