فصل : فإذا تقرر ما وصفناه فالكلام في السنن يشتمل على فصلين :
أحدهما : في أحوال الرواة الناقلين لها .
والثاني : المتون المعمول عليها .
[ القول في
أحوال الرواة ] .
فأما الفصل الأول في الرواة فيشتمل الكلام فيه على خمسة فصول :
أحدها : في صفات الراوي .
والثاني : في شروط التحمل .
والثالث : في صفة الأداء .
والرابع : في أحوال الإسناد .
والخامس : في نقل السماع .
[ القول في
صفات الراوي ] .
فأما الفصل الأول : في صفات الراوي : فيعتبر فيه أربعة شروط :
أحدها : البلوغ : فإن الصغير لا يقبل قوله في الدين في خبر ولا فتيا ، لأنه لما لم يجر على قوله حكم في حق نفسه فأولى أن لا يجري عليه حكم في حق غيره .
والشرط الثاني : العقل الموقظ : ولا يقتصر على العقل الذي يتعلق به التكليف حتى ينضم إليه التيقظ والتحفظ فيفرق بين الصحيح والفاسد ليصح تمييزه .
والشرط الثالث : العدالة في الدين لأن الفاسق مردود القول فيه لقوله تعالى : "
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " [ الحجرات : 6 ] . ولأن النفس لا تثق بخبره كما لا تثق بشهادته .
ولا يرد خبر أهل الأهواء والبدع ما لم يكفروا غيرهم ويظهروا عنادهم . قد اتهم بذلك كثير من التابعين فما ردت أخبارهم ، وشدد بعض أصحاب الحديث فمنع من قبول خبر من لا يوافقه على مذهبه وهذا مفض إلى إطراح أكثر السنن .
والشرط الرابع : أن يكون مأمون الزلل شديد اليقظة بعيدا من السهو والغفلة حتى لا يشتبه عليه الكذب بالصدق .
[ ص: 89 ] ويكون على ثقة به فقد حكي عن
مالك : أنه قال : لقد سمعت من سبعين شيخا أتقرب إلى الله بأدعيتهم لا أروي عن أحد منهم حديثا ، وإنما قال هذا لأنهم كانوا أهل سلامة لا تؤمن غفلتهم وإن قويت ديانتهم .
ولا فرق بين العالم والجاهل إذا كان ضابطا قد قيل المصدر الأول روايات الأعراب وأهل البوادي ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925500رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " .
وهذه الشروط الأربعة تعتبر في الشهادة كاعتبارها في الخبر
[ القول في
خبر الأعمى والعبد ] .
ويقبل خبر الأعمى وإن لم تقبل شهادته ، ويقبل خبر العبد وإن لم تقبل شهادته .
لأن الخبر لاختصاصه بالدين تعتبر فيه شروط المفتي ولا تعتبر فيه شروط الشاهد وفتيا الأعمى والعبد مقبولة كذلك خبرهما .
[ القول في أخبار النساء ] :
وتقبل
أخبار النساء .
وامتنع
أبو حنيفة من قبول أخبار النساء في الدين إلا أخبار
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة .
وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : لو كان نقص الأنوثة مانعا لعم .
والثاني : أن قبول قولهن في الفتيا يوجب قبوله في الأخبار لأن الفتيا أغلظ شروطا .