فصل
قياس الشبه
وأما قياس الشبه فهو ما تجاذبته الأصول ، فأخذ من كل أصل شبها ، وأخذ كل أصل منه شبها .
وهو نوعان : قياس تحقيق ، يكون الشبه في أحكامه ، وقياس تقريب يكون الشبه في أوصافه .
وقياس التحقيق مقابل لقياس المعنى الجلي وإن ضعف عنه .
قياس التحقيق .
فأما قياس التحقيق فعلى ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يتردد حكم الفرع بين أصلين ينتقض برده إلى أحدهما ، ولا ينتقض برده إلى الآخر ، فيرد إلى الأصل الذي لا ينتقض برده إليه ، وإن كان أقلهما شبها ولا يرد إلى الأصل الذي ينتقض برده إليه وإن كان أكثر شبها : مثاله : العبد هل يملك ؟ إذا ملك يتردد بين أصلين :
[ ص: 149 ] أحدهما : الحر في جواز ملكه .
والثاني : البهيمة في عدم ملكه فلما انتقض برده إلى الحر بالميراث حين لم يملك به وجب رده إلى البهيمة لسلامته من النقض ، وإن كان شبهه بالأحرار أكثر من شبهه بالبهائم .
والضرب الثاني : أن يتردد الفرع بين أصلين يسلم من النقض في رده إلى كل واحد منهما ، وهو بأحد الأصلين أكثر شبها منه بالأصل الآخر ، مثل أن يشبه أحدهما من وجه ويشبه الآخر من وجهين ، أو يشبه أحدهما من وجهين ويشبه الآخر من ثلاثة أوجه ، فيجب رده إلى الأصل الذي هو أكثر شبها به .
مثاله : في الجناية على أطراف العبد يتردد بين رده إلى الحر في تقدير الجناية على أطرافه وبين رده إلى البهيمة في وجوب ما نقص من قيمته وهو يشبه البهيمة في أنه مملوك وموروث ويشبه الحر أنه آدمي ، مخاطب ، مكلف ، يجب في قتله القود والكفارة ، فوجب رده إلى الحر في تقدير الجناية على أطرافه دون البهيمة ، لكثرة شبهه بالحر ، وقلة شبهه بالبهيمة .
والضرب الثالث : أن يتردد حكم الفرع بين أصلين مختلفي الصفتين ، ويوجد في الفرع بعض كل واحدة من الصفتين ، ولا تكمل فيه إحدى الصفتين ، ولكن يوجد فيه الأكثر من إحدى الصفتين والأقل من الأخرى ، فيجب رده إلى الأصل فيه أكثر صفاته : مثاله : ثبوت الربا في الإهليلج والسقمونيا لما تردد بين الخشب في الإباحة لأنه ليس بغذاء وبين الطعام في التحريم لأنه مأكول فكان رده إلى الغذاء في التحريم وإن لم يكن غذاء أولى من رده إلى الخشب في الإباحة وإن لم يكن غذاء ، لأن الأكل أغلب صفاته .
فهذه ضروب قياس التحقيق .