فصل :
هل يحكم القاضي في التزكية بأصحاب المسائل أو بأهل الخبرة ؟ .
فإذا ثبت أنها شهادة محضة يحكم فيها بشهادة شاهدين فقد اختلف أصحابنا : هل يحكم القاضي في تعديلهم وجرحهم بأصحاب مسائله ؟ أو بمن عدلهم وجرحهم من جيرانه وأهل الخبرة بهم ؟ على وجهين :
أحدهما : أن أصحاب مسائله هم الشهود عنده بالتعديل والجرح ، وهم المتحملون عن الجيران وأهل الخبرة ما ذكروه من التعديل والجرح .
وهذا هو الظاهر من مذهب
الشافعي ، وقول الأكثرين من أصحابه .
فعلى هذا يجوز أن يكون ما يسمعه أصحاب المسائل من الجيران وأهل الخبرة بلفظ الخبر دون الشهادة : لأن الشهادة مختصة بالحكام .
ولا يعتبر فيهم العدد .
ويعتبر أن يقع في نفوس أصحاب المسائل صدق المخبر فيما ذكره من تعديل وجرح فربما وقع في نفسه صدق الواحد فجاز أن يقتصر عليه وربما ارتاب بالاثنين فلزمه أن يستزيد .
ويجوز لأصحاب المسائل أن يسألوا الجار : من أين علمت تعديله وجرحه ؟ ولا يجوز للحاكم أن يسأل أصحاب المسائل من أين علمتم الجرح والتعديل ؟ .
والوجه الثاني : وهو محكي عن
أبي إسحاق المروزي .
أن الذي يشهد بالتعديل والجرح هم من عرفهما من الجيران وأهل الخبرة ، ويكون أصحاب مسائله رسلهم فيها : لأن الشهادة بذلك مسموعة من أهل المعرفة الباطنة ، وهم الجيران وأهل الخبرة دون أصحاب المسائل ، ولأن شهادة أصحاب المسائل كالشهادة على الشهادة ، وهي لا تسمع مع القدرة على شهود الأصل .
[ ص: 189 ] فعلى هذا إذا جعلنا أصحاب المسائل رسل من عدل وجرح ، كان ما يذكره أصحاب مسائله خبرا يجوز أن يقتصر فيه على قول الواحد بلفظ الخبر دون الشهادة ، ويسموا للحاكم من عدل وجرح ، ثم تسمع الشهادة بالتعديل والجرح من الجيران وأهل الخبرة على شرط الشهادة .