لا يقبل الجرح إلا بيقين .
مسألة : قال
الشافعي : " ولا يقبل الجرح إلا بالمعاينة أو بالسماع .
قال
الماوردي : اعلم أن الفسق قد يكون من ثلاثة أوجه :
أحدها : بالأفعال ، كالزنا واللواط والغصب والسرقة .
والثاني : بالأقوال ، كالقذف والكذب والسعاية والنميمة .
والثالث : بالاعتقاد ، كاستحلال المحظورات والتدين بالبدع المستنكرات .
فالأفعال : تعلم بالمعاينة ، والأقوال : تعلم بالسماع ، وكذلك الاعتقاد .
فلا تقبل من الجارح إذا شهد بأفعال الجرح إلا إذا شاهدها .
ولا تقبل منه إذا شهد بأقوال الجرح إلا إذا سمعها .
ولا تقبل منه إذا قال بلغني وقيل لي .
ولا تقبل فيه شهادة الأعمى بالجرح بالأفعال ولا في الأقوال ، أما الأفعال فإنه لم يرها ، وأما الأقوال فلأنه ، وإن سمعها فليس يتحققها من المجروح لاشتباه صوته بصوت غيره .
فأما الشهادة بها عن الإخبار فإن كانت أخبار آحاد لم يكن للمخبر أن يشهد بها ، وإن كانت من أخبار الاستفاضة أو التواتر التي لا يعترضها ارتياب جاز أن يشهد بها ، كما يشهد بالأنساب ، وبالأملاك ، والموت ، وتقبل فيه شهادة الأعمى : لأنه مساو للبصير في العلم بها .
فإذا علم الشاهد الجرح إما بالمعاينة للأفعال أو بالسماع للأقوال أو بالخبر المستفيض بالأفعال والأقوال جاز أن يشهد بها . ولا يجوز أن يشهد بها من غير هذه الوجوه الثلاثة : لأنه لا يكون على يقين من العلم بها والله تعالى يقول :
إلا من شهد بالحق وهم يعلمون .
[ ص: 192 ] فإن كان الشاهد بهذا الجرح عند الحاكم هم الجيران وأهل الخبرة كانت هذه الشروط معتبرة في شهادتهم .
وإن كان الشاهد بها أصحاب مسائله تحملوها عن علمها من هذه الوجوه الثلاثة ، وجاز لهم أن يشهدوا بها عنهم ، لأن أصحاب مسائله قد ندبوا للبحث عنها ، ولو تحملوها من هذه الوجوه لقدموا الشهادة بها ولما احتاجوا إلى المسألة عنها .
ولا يصير أصحاب المسائل إذا شهدوا بها قذفة ، وإن لم تكمل شهادتهم ، ويصير الجيران بها قذفة . إن لم تكمل شهادتهم ، لأن أصحاب المسائل ندبوا للإخبار بما سمعوه ، ولم يندب الجيران إليه وسواء ذكر أصحاب المسائل هذا الجرح بلفظ الشهادة أو بلفظ الخبر ، لكن الحاكم يحكم به إن كان بلفظ الشهادة ، ولا يحكم به إن كان بلفظ الخبر .