فصل :
تمييز الشهود وتعيينهم .
فأما تمييز الشهود وتعيينهم من جميع الناس حتى يعتمد الحاكم عليهم ولا يسمع شهادة غيرهم كالذي عليه الناس في زماننا فهو مستحدث ، أول من فعله
إسماعيل بن إسحاق القاضي ، وكان مالكيا ميز شهوده واقتصر على الحكم بشهادتهم ولم يقبل شهادة غيرهم ، وتلاه من تعقبه من القضاة إلى وقتنا ليكون الشهود أعيانا معدودين حتى لا يستشهد الخصوم بمجهول العدالة فيغرروا ولا يطمع في الشهادة غير مستحق لها فيسترسلوا .
وهذا مكروه من أفعال القضاة : لأنه مستحدث ، خولف فيه الصدر الأول .
وليس يكره أن يكون له شهود يقبلهم ، وإنما المكروه أن لا يقبل غيرهم اقتصارا عليهم : لأن في الناس من العدول أمثالهم ، فلم يجز أن يقتصر على بعض
[ ص: 198 ] العدول دون بعض ، فيخص ، وقد عم الله تعالى ، ولم يخص .
ولأنه قد يتجدد للناس حقوق يشهدها من اتفق ، فإذا لم يسمع إلا شهادة معين بطلت .
ولأن في التعيين مشقة تدخل على الشاهد والمستشهد ، لمسألة الطالب وإجابة المطلوب . ولأن من قلت أمانته من الناس إذا علموا أن لا تقبل فيهم شهادة من حضرهم تجاحدوا ، وإذا لم يعلموا تناصفوا .
[ وقد يتهافت الناس في المعاصي عند الإياس من قبول شهادتهم ويمتنعون منها عند ظنهم قبول شهادتهم ] .