مسألة : قال
الشافعي : " وإن شهدوا عند غيره أجازه لأنه لا يعرف منه ما يعرف من نفسه فإن علم غيره أنه أنكره فلا ينبغي أن يقبله " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا
شهد الشهود عند غيره من القضاة بما حكم به لم يخل حال رده لشهادتهم من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يردها : لأنه لم يذكر حكمه بها وهو لا يرى سماع الشهادة على حكم نفسه ، فيجوز لغيره من القضاة إذا شهد الشهود عنده بما حكم به أن يقبل شهادتهم ويعمل عليها ويحكم بها ، لما قدمناه في الجواب من الفرق بينه وبين غيره في أن فعل نفسه محمول على يقينه ، وفعل غيره محمول على غلبة الظن ، وسواء كان القاضي الذي حكم حيا أو ميتا واليا أو معزولا ، وهذا متفق عليه .
والحال الثانية : أن يكون القاضي الذي قد حكم قد أكذب الشهود عنده وردهم
[ ص: 210 ] مجروحين ، فلا يجوز لغيره أن يقبل شهادتهم على حكمه ، لأن الأول قد حكم بإبطال الحكم وتفسيق الشهود .
والحال الثالثة : أن يكون قد أنكر الحكم ولم يكذب الشهود ، فلا يجوز لغيره مع إنكاره للحكم أن يسمع الشهادة بحكمه .
وقال
مالك : يجوز أن يسمعها ويحكم بها : لأن الشهادة على المنكر مسموعة اعتبارا بسائر الحقوق .
وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن الحاكم أصل والشهود فرع ، وفساد حكم الأصل موجب لفساد حكم الفرع ، كالشهادة على الشهادة ، إذا فسد فيها حكم الأصل فسد حكم الفرع .
والثاني : أنه لما كان لو أكذبهم لم يكن لغيره أن يسمع به شهادتهم ، وجب أن يكون كذلك إذا أنكرهم ، والله أعلم بالصواب .