فصل : ما يمضيه القاضي المكتوب إليه من حكمه .
وأما الفصل الرابع : وهو
فيما يمضيه القاضي المكتوب إليه من حكمه ، فكتابه على ضربين
أحدهما : أن يكون مقصورا على نقل ما ثبت عنده من إقرار وشهادة ، فيثبت بالكتاب عند الثاني ما ثبت عند الأول من إقرار أو شهادة ، ويتولى الثاني إنفاذ الحكم فيه برأيه واجتهاده ، فإن اختلف اجتهادهما فيه ، كان محمولا على اجتهاد الثاني دون الأول ، لاختصاص الثاني بتنفيذ الحكم فيه .
والضرب الثاني : أن يكون الكتاب مشتملا على ذكر الشهادة وإمضاء الحكم بها ، فلا يخلو حال حكمه عنده من ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يكون عنده جائزا ، لا يخالفه فيه ، فعليه أن يمضيه لطالبه ويأخذ المطلوب بأدائه .
والضرب الثاني : أن يكون عنده باطلا لا مساغ له في الاجتهاد ، فعليه أن ينقضه .
فإن اقترن به حق الله تعالى ، كالنكاح ، والطلاق ، نقضه وإن لم يطالب بنقضه ، وإن تفرد بحقوق الآدميين ، لم يكن له نقضه إلا أن يطالبه المحكوم عليه بنقضه .
والضرب الثالث : أن يكون حكمه محتملا للاجتهاد ، لتردده بين أصلين أداه اجتهاده فيه إلى غير ما حكم به الكاتب ، فليس له أن يمضيه ، لاعتقاده أنه باطل وليس له أن ينقضه ، لاحتماله في الاجتهاد ، وليس له أن يأخذ المطلوب بأدائه : لأنه غير
[ ص: 228 ] مستحق عنده وليس له أن يمنع الطالب منه ، لنفوذ الحكم به ، وقال للمطلوب : لست أوجبه عليك ، ولا أسقطه عنك ، وقال للطالب : لست أوجبه لك ، ولا أمنعك منه ، فإن تراضيتما أمضيته على مراضاتكما ، وإن تمانعتما تركتكما على تنازعكما ، وقطعت التنافر بينكما . ويخرج في هذه القضية أن يكون فيها حاكما أو مستوفيا .
فهذه جملة ما ضمناه عقد الباب من الأقسام والأحكام ، والله أعلم بالصواب .