فصل : فإذا تقرر أن أخذ الأجرة على القسمة جائز ، وإن لم يجز أخذها عن الحكم فالكلام عنها يشتمل على فصلين :
أحدهما : عدد القسام .
والثاني : حكم الأجرة .
فأما
عدد القسام فللقسمة حالتان :
أحدهما : أن يتراضى بها المقتسمون .
والثانية : أن يأمر بها الحكام .
[ ص: 247 ] فإن تراضوا بها حملوا في العدد على ما اتفقوا عليه من واحد أو اثنين كما حملوا فيه على اختيارهم للقاسم ، وإن لم يكن مختارا ولا يقبل الحاكم قول هذا القاسم : لأنه ليس بتائب عنه ولا يسمع شهادته : لأنه شاهد على فعله .
وإن أمر الحاكم بالقسمة وخرجت عن حكم الاختيار ففي القسمة تعديل وحكم ، والتعديل معتبر باثنين كالتقويم ، ولا يعول في التقويم إلا على قول مقومين ، والحكم فيه قول واحد كالحاكم .
فينظر في القسمة : فإن كان فيها تعديل وتقويم لم يجزئ فيها أقل من قاسمين .
وإن لم يكن فيها تعديل ولا تقويم فقد قال
الشافعي في موضع أمر الحاكم : الشركاء إن يجتمعوا على قاسمين ، فظاهر هذا أنه لا يجزئ قاسم واحد .
وقال في غيره إن القاسم حاكم فظاهره أنه يجزئ قاسم واحد .
واختلف أصحابنا كما اختلفوا في الخرص فخرجه أكثرهم على قولين :
أحدهما : أنه يجزئ قاسم واحد ، كما يجزئ كيال واحد ، ووزان واحد .
والقول الثاني : لا يجزئ أقل من قاسمين ، كما لا يجزئ أقل من مقومين ، وكما لا يجزئ في جزاء الصيد أقل من مجتهدين ولا يمتنع إذا كان القاسم كالحاكم أن يجمع فيه بين اثنين كما قال تعالى :
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . وقال آخرون من أصحابنا : ليس ذلك على قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين : وهو إن كان في الشركاء طفل ، أو غائب ، لا يجيب عن نفسه لم يجز أقل من قاسمين ، وإن كانوا حضورا يجيبون عن أنفسهم أجزأ قاسم واحد ، ويقبل الحاكم قول القاسم هاهنا ، لاستنابته له كما يقبل قول خلفائه فإن جازت بقاسم واحد قيل فيها قول الواحد ، وإن لم تجز إلا بقاسمين لم يقبل قول الواحد وقبل قول الاثنين .