تقديم النظر بين المسافرين .
مسألة : قال
الشافعي : " وإذا حضر مسافرون ومقيمون فإن كان المسافرون قليلا فلا بأس أن يبدأ بهم وأن يجعل لهم يوما بقدر ما لا يضر بأهل البلد فإن كثروا حتى ساووا أهل البلد آساهم بهم ولكل حق " .
قال
الماوردي : فقد ذكرنا أن على القاضي في النظر بين الخصوم أن يقدم السابق على المسبوق ، فإن حضره مسافرون ومقيمون ، ففي تأخير المسافرين إذا كانوا مسبوقين إضرار بهم لتأخرهم عن العود إلى أوطانهم ، فإن قلوا ولم يكثروا قدمهم القاضي على المقيمين .
واختلف أصحابنا هل يعتبر في تقديمهم استطابة نفوس المقيمين ؟ على وجهين :
أحدهما : لا تعتبر ، ويجوز للقاضي أن يقدمهم وإن كره المقيمون ؛ لدخول الضرر على المسافرين دون المقيمين
[ ص: 289 ] والوجه الثاني : تعتبر استطابة نفوس المقيمين فإن طابت نفوسهم بتقديم المسافرين قدمهم ، وإن امتنعوا لم يجبرهم ، لاستحقاق التقديم بالسبق .
وإن
كثر المسافرون حتى ساووا أهل المصر كأيام المواسم
بمكة والمدينة وكان في تقديمهم إضرار بالمقيمين لم يجز أن يرفع الضرر عن المسافرين بإدخاله على المقيمين ، ونظر : فإن كان اليوم الواحد للنظر بين المقيمين والمسافرين جعل للمقيمين فيه وقتا وللمسافرين فيه وقتا ، فإن استوى الفريقان سوى بين الوقتين ، وإن تفاضل الفريقان فاضل فيهما بين الوقتين .
وإن كان اليوم الواحد لا يتسع للنظر بين الفريقين ، جعل
للمسافرين يوما وللمقيمين يوما إن استوى الفريقان ، وإن تفاضلوا فاضل بينهم في الأيام ، وخص المسافرين بالمجلس الأول إن لم يضر المقيمين ، إما إجبارا على أحد الوجهين وإما باستطابة نفوس المقيمين على الوجه الثاني ، وإن استضر به المقيمون أقرع بينهم في المجلس الأول ؛ لأنه ليس فيه سبق يعتبر . فعدل فيه إلى القرعة ، واستقر بها ترتيب المجالس فيما بعد ليكون مجلس المسافرين معروفا ومجلس المقيمين معروفا ، حتى يقصد كل فريق في يومه المعروف .
فإذا اتسع مجلس أحد الفريقين في أن ينظر في يقينه للفريق الآخر جاز ، لأنه قد استوفى أهله حقهم فيه فلم يبق لهم حق في باقيه .