[ القول في عجز بيت المال عن راتب القاضي ] .
فصل : وإذا
تعذر رزق القاضي من بيت المال وأراد أن يرتزق من الخصوم فإن لم يقطعه النظر عن اكتساب المادة إما لغنائه بما يستجده وإما لقلة المحاكمات التي لا تمنعه من الاكتساب لم يجز أن يرتزق من الخصوم .
وإن كان يقطعه النظر عن اكتساب المادة مع صدق الحاجة جاز له
الارتزاق منهم على ثمانية شروط :
[ ص: 294 ] أحدها : أن يعلم به الخصمان قبل التحاكم إليه ، فإن لم يعلم به إلا بعد الحكم لم يجز أن يرتزقهما .
والثاني : أن يكون رزقه على الطالب والمطلوب ولا يأخذ من أحدهما فيصير به متهوما .
والثالث : أن يكون عن إذن الإمام لتوجه الحق عليه فإن لم يأذن به الإمام لم يجز .
والرابع : أن لا يجد الإمام متطوعا ، فإن وجد متطوعا لم يجز .
والخامس : أن يعجز الإمام عن دفع رزقه فإن قدر عليه لم يجز .
والسادس : أن يكون ما يرتزقه من الخصوم غير مؤثر عليهم ، ولا مضر بهم ، فإن أضر بهم أو أثر عليهم لم يجز .
والسابع : أن يستزيد على قدر حاجته فإن زاد عليها لم يجز .
والثامن : أن يكون قدر المأخوذ مشهورا يتساوى فيه جميع الخصوم ، وإن تفاضلوا في المطالبات : لأنه يأخذ . على زمان النظر فلم تعتبر مقادير الحقوق .
فإن فاضل بينهم فيه لم يجز إلا أن يتفاضلوا في الزمان فيجز .
وفي مثل هذا معرة تدخل على جميع المسلمين .
ولئن جازت فيه الضرورات فواجب على الإمام وكافة المسلمين أن تزال مع الإمكان إما بأن يتطوع منهم بالقضاء من يكون من أهله ؟ وإما أن يقام لهذا بكفايته : لأنه لما كانت ولاية القضاء من فروض الكفايات ، كان رزق القاضي بمثابة ولايته .
فإن
اجتمع أهل البلد ، مع إعواز بيت المال على أن يجعلوا للقاضي من أموالهم رزقا دارا جاز ، وكان أولى من أن يأخذه من أعيان الخصوم .