فصل :
ما يكتبه القاضي من محاكمة الخصمين .
والفصل الثاني :
فيما يكتبه القاضي من محاكمة الخصمين ، ولهما حالتان :
إحداهما : أن يسألاه الكتابة .
والثاني : أن لا يسألاه .
فإن لم يسألاه إياها كان القاضي مندوبا إلى إثبات محاكمتها في ديوانه ، مشروحة بما انفصلت عليه من إلزام أو إسقاط احتياطا للمتحاكمين .
ووجوب ذلك عليه معتبر بالحكم ، فإن كان مما قد استوفى وقبض لم يجب عليه إثباته وكان بإثباته مستظهرا .
وإن كان فيما لم يقبض ولم يستوف ، فإن كانت الحال لاشتهارها لا ينسى مثلها
[ ص: 295 ] لم يجب إثباتها إلا على وجه الاستظهار ، وإن جاز أن ينسى مثلها ووجب عليه إثباتها ليتذكر بخطه ما حكم وألزم بأنه كفيل ليحفظ الحقوق على أهلها فالتزم بذلك ما يؤول إلى حفظها .
وإن سأله الخصم أن يكتب له ما حكم به ليكون حجة بيد . فالذي يكتبه القاضي كتابان :
أحدهما : محضر .
والثاني : سجل .
والمحضر : حكاية الحال ، والسجل : حكاية المحضر ، مع زيادة إنفاذ الحكم به .
والذي يشتمل عليه المحضر من حكاية الحال يتضمن أربعة فصول :
أحدها : صفة الدعوى ، بعد تسمية المدعي والمدعى عليه .
والثاني : ما يعقبها من جواب المدعى عليه من الإقرار والإنكار .
والثالث : حكاية شهادة الشهود على وجهها فإن حكى شهادة أحدهما وإن الآخر شهد بمثل شهادته جاز بخلاف ما لو قاله الشاهد في أدائه ونكره في المحضر لمنعنا منه في الأداء .
والرابع : ذكر التاريخ في يوم الحكم من شهره وسنته ، ولو ضم إليه ذكر ما أداه الشهود من تاريخ التحمل كان حسنا ، وإن تركه قضاة زماننا .
وأما السجل فيتضمن ستة فصول :
أحدها : تصديره بحكاية إشهاد القاضي بجميع ما فيه .
والثاني : حكاية ما تضمنه المحضر من الفصول الأربعة .
والثالث : حكاية إمهال القاضي المشهود عليه ليأتي بحجة يدفع بها ما شهد عليه ، فعجز عنها ولم يأت بها .
والرابع : إمضاء الحكم للمشهود له وإلزامه المشهود عليه بعد مسألة الحاكم .
والخامس : إشهاد القاضي على نفسه بما حكم به وأمضاه من ذلك .
والسادس : تاريخ يوم الحكم والتنفيذ .
فإذا استكمل السجل بهذه الفصول الستة ، بالألفاظ المعهودة فيه ، جعله على نسختين علم القاضي فيهما بعلامته المألوفة بخطه ليتذكر بها حكمه إذا عرض عليه وأشهد فيهما على نفسه ، وسلم إحداهما للمحكوم له ووضع الأخرى في ديوانه حجة يقابل بها سجل الخصم إن أحضره من بعد ، ولا يحتاج مع نسخة السجل الموضوعة في ديوانه إلى إثبات ما حكم به في ديوانه وأغناه السجل عن إثباته ولو استظهر بإثبات اسم السجل فيه كان أحوط .
[ ص: 296 ] فأما تسمية الشهود الذين حكم بشهادتهم في المحضر والسجل فقد ذكرنا اختلاف الناس في الأولى منه مع اتفاقهم على جواز الأمرين .
فرأى أكثر
أهل العراق أن ترك تسميتهم أولى وهو أحوط للمشهود له .
واختاره
أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا .
ورأى أكثر
أهل الحجاز أن تسميتهم فيه أولى ، وهو أحوط للمشهود عليه مما لعله يقدر عليه من جرحهم ، واختاره
أبو العباس بن سريج من أصحابنا .
ولو أن القاضي عدل عن كتب السجل إلى أن زاد في المحضر إنفاذ حكمه وإمضائه بعد إمهال المشهود عليه بما يدفع به الشهادة ، فلم يأت بها وعلم فيه وأشهد به على نفسه جاز .