[ ص: 24 ] باب
شهادة القاذف
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " أمر الله تبارك وتعالى أن يضرب القاذف ثمانين ، ولا تقبل له شهادة أبدا ، وسماه فاسقا إلا أن يتوب ، فإذا تاب قبلت شهادته ، ولا خلاف بيننا في الجرمين قديما وحديثا في أنه إذا تاب قبلت شهادته " .
قال
الماوردي : اعلم أن للقاذف بالزنى حالتين :
إحداهما : إن تحقق قذفه في الأجنبي والأجنبية يكون بأحد أمرين : إما بإقرار المقذوف بالزنى ، وإما بقيام البينة عليه بفعل الزنى ، وتحققه في الزوجة يكون مع هذين الأمرين بثالث وهو اللعان ، فإذا حقق قذفه بما ذكرنا كان على حاله قبل القذف في عدالته وقبول شهادته ، وأن لا حد عليه لقذفه .
والحال الثانية : أن لا يحقق قذفه ببينة ولا تصديق ولا لعان ، فيتعلق بقذفه ثلاث أحكام :
أحدها : وجوب الحد ثمانين جلدة .
والثاني : فسقه المسقط لعدالته .
والثالث : أن لا يقبل له شهادة أبدا ما لم يتب ، وهذه الأحكام الثلاثة مأخوذة نصا من قول الله تعالى :
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون [ النور : 4 ] ، ويكون القذف هو
الموجب لهذه الأحكام الثلاثة من الجلد ، والفسق ، ورد الشهادة .
قال
أبو حنيفة : إن القذف موجب للجلد وحده ، فأما الفسق ، ورد الشهادة ، فيتعلق بالجلد دون القذف ، فيكون على عدالته ، ويجوز أن تقبل شهادته ما لم يجلد ، فإذا جلد فسق ولم تقبل شهادته أبدا ، استدلالا بأنه قبل الجلد متعرض لتحقيق القذف وسقوط الجلد ، فلم يستقر حكم القذف إلا بالجلد .
[ ص: 25 ] والدليل على فسقه ، ورد شهادته بالقذف دون الجلد - قول الله تعالى :
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون [ النور : 4 ] ، فعلق على القذف ثلاثة أحكام : الجلد ، والفسق ، ورد الشهادة ، فلما تعلق الجلد بالقذف وجب أن يكون ما ضم إليه وقرن به متعلقا بالقذف ، ولأن الجلد تطهير وتكفير ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
الحدود كفارات لأهلها " فلم يجز أن يكون تكفير ذنبه موجبا لتغليظ حكمه .
ولأن فسقه ورد شهادته إنما يتعلق بفعله لا بفعل غيره ، والقذف من فعله ، والجلد من فعل غيره . ولأنه لما فسق بالسرقة دون القطع ، وبالزنى دون الحد ، وجب أن يكون القذف بمثابتهما ، لأن الحدود موضوعة لاستيفاء الحقوق وبه يقع الانفصال عن استدلاله .