[ ص: 50 ] باب
ما يجب على المرء من القيام بالشهادة إذا دعي ليشهد أو يكتب
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : قال الله جل ثناؤه
ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه قال
الشافعي : والذي أحفظ عن كل من سمعت من أهل العلم أن ذلك في الشاهد قد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والده ، وولده ، والقريب ، والبعيد لا تكتم عن أحد ولا يحابى بها أحد ولا يمنعها أحد " .
قال
الماوردي : اعلم أن الشهادة وثيقة تتم بالتحمل وتستوفى بالأداء فصارت جامعة للتحمل في الابتداء والأداء في الانتهاء ، والشاهد مأمور بها في التحمل والأداء ، قال الله تعالى
ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا [ البقرة : 282 ] .
وفيه لأهل العلم ثلاثة تأويلات :
أحدها : إذا دعوا لتحملها وإثباتها عند الحاكم ، وهو قول
ابن عباس ،
وقتادة ،
والربيع .
والتأويل الثاني : إذا دعوا لإقامتها وأدائها عند الحاكم ، وهو قول
مجاهد ،
وعطاء ،
والشعبي .
والتأويل الثالث : إذا دعوا للتحمل والأداء جميعا ، وهو قول
الحسن البصري . واختلفوا في حكم هذا الأمر على ثلاثة أقاويل :
أحدهما : أنه ندب ، وليس بفرض ، وهو قول
عطاء ،
وعطية .
والقول الثاني : فرض على الكفاية ، وهو قول
الشعبي .
والقول الثالث : أنه فرض على الأعيان ، وهو قول
قتادة ،
والربيع بن أنس .
فأما مذهب
الشافعي في التحمل والأداء فهما من فروض الكفاية ، إن كثر من يتحمل ويؤدي كالجهاد ، وطلب العلم والصلاة على الجنائز ، وهما من فروض الأعيان ، إن لم يوجد غيرهما في التحمل والأداء ، وقد يكون فرض التحمل على الكفاية وفرض الأداء على الأعيان ، إذا كثر عددهم في التحمل وقل عددهم في الأداء ،
[ ص: 51 ] ويمتنع أن يكون فرض التحمل على الأعيان وفرض الأداء على الكفاية ، لأن الأداء يكون بعد التحمل ، غير أن الأغلب من حال التحمل أنه من فروض الكفايات ، وربما تعين ، وفي الأغلب من حال الأداء أنه من فروض الأعيان ، وربما صار على الكفاية ، لأن التحمل عام والأداء خاص ، ولذلك كثر عدد المتحملين وقل عدد المؤدين ، ولذلك ما اختير أن يكون عدد المتحملين ثمانية ، اثنان يموتان ، واثنان يمرضان ، واثنان يغيبان ، واثنان يحضران فيؤديان ، وإذا استوى التحمل والأداء في فروض الكفاية ، وفروض الأعيان ، كان فرض الأداء أغلظ من فرض التحمل .
قال تعالى :
ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [ البقرة : 283 ] .
وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه فاجر قلبه فيحمل على فسقه بكتمها في العموم ، وهو معنى قول
السدي .
والثاني : أنه مكتسب لإثم كتمها ، فيحمل على مأثمه بها في الخصوص ، وخص القلب بها ، لأنه محل لاكتساب الآثام والأجور .