[ ص: 58 ] باب شرط الذين تقبل شهادتهم
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " قال الله جل ثناؤه :
وأشهدوا ذوي عدل منكم وقال
ممن ترضون من الشهداء قال فكان الذي يعرف من خوطب بهذا أنه أريد بذلك الأحرار البالغون المسلمون المرضيون " .
قال
الماوردي : اعلم أن
الشروط المعتبرة في قبول الشاهد خمسة .
الأول : الحرية .
الثاني : البلوغ .
الثالث : العقل .
الرابع : الإسلام .
الخامس : العدالة .
فأما
شهادة العبيد ، فمردودة على الأحرار والعبيد في كثير المال وقليله ، وهو قول جمهور الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء ، وهو مذهب
الشافعي ،
وأبي حنيفة ،
ومالك . وحكي عن
علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أن شهادة العبد مقبولة على العبيد دون الأحرار .
وحكي عن
الشعبي ،
والنخعي ، أن شهادته مقبولة في القليل دون الكثير .
وحكي عن
داود ،
وأحمد ،
وإسحاق ،
وأبي ثور أن شهادة العبيد مقبولة في الأحوال كلها .
وبه قال من الصحابة
أنس بن مالك .
ومن التابعين :
شريح ، وقيل : إن عبدا شهد عنده ، فقبل شهادته ، فقيل له : إنه عبد فقال : " قم " كلكم ابن عبد وأمة . وقال بعض السلف : " رب عبد خير من مولاه " . واستدلوا على قبول شهادته مع اختلاف مذاهبهم ، بقول الله تعالى :
واستشهدوا شهيدين من رجالكم [ البقرة : 282 ] . وظاهره عندهم في العبيد ، لإضافته إلينا بـ " لام " التمليك ، ولأن من قبل خبره قبلت شهادته كالحر .
[ ص: 59 ] والدليل على رد شهادته ، قول الله تعالى
وأشهدوا ذوي عدل منكم [ البقرة : 282 ] . وهذا الخطاب متوجه إلى الأحرار ، لأنهم هم المشهدون في حقوق أنفسهم ، وقوله
ذوي عدل منكم يبقي دخول العبيد فيهم ، ولأن الشهادة موضوعة على المفاضلة ، لأن الرجل فيها كالمرأتين ، فمنعت المفاضلة من مساواة العبد فيها للحر كالقضاء في الولايات ، والحج ، والجهاد ، في العبادات ، وكالتوارث في الممتلكات ، ولأن نقص الرق يمنع كمال الشهادة لوروده من جهة الكفر المانع من قبول الشهادة .
وأما الجواب عما استدلوا به من قول الله تعالى من رجالكم فمن وجهين :
أحدهما : تخصيص عمومها بما ذكرناه .
والثاني : أنه محمول على حال تحمل الشهادة ، دون أدائها ، وأما الجواب عن اعتبار شهادته بقبول خبره ، فهو أن الخبر أوسع حكما من الشهادة ، لقبول الواحد في الخبر ، وانتقاله بالعنعنة عن واحد بعد واحد ، وهذا ممتنع في الشهادة ، فكذلك في الرق .