فصل : فإذا تقررت هذه المقدمة فصورة المسألة في
رجل أقام شاهدا واحدا
[ ص: 83 ] بالدين له ، ومات قبل حلفه مع شاهده فلوارثه أن يحلف مع الشاهد ، ويستحق دينه ، لأنه يقوم في التركة مقام موروثه . فإن حلف وعلى الميت ديون ووصايا قضي منه ديونه ، ونفذت منه وصاياه وإن نكل الورثة عن اليمين وأراد الغرماء ، وأهل الوصايا أن يحلفوا مع الشاهد ليستوجبوه في ديونهم ، ووصاياهم ففيه قولان :
أحدهما : قاله في القديم ، وهو مذهب
مالك يجوز لهم أن يحلفوا : ويستحقوا لأن الحق إذا ثبت صار إليهم ، فكانوا فيه كالورثة .
والقول الثاني : قاله في الجديد ، وهو أحد قوليه في القديم لا يجوز لهم أن يحلفوا : لأنه لو جاز أن يملكوا الدين بأيمانهم ، لجاز أن يسقط بإبرائهم ، وهو لا يسقط لو برئوا منه ، فكذلك لا يستحق إذا حلفوا عليه .
ولأنهم لو ملكوا أن يحلفوا عليه لملكوا أن يدعوه ، ودعواهم مردودة ، فكذلك أيمانهم .
ولأن الدين لو استحق بأيمانهم ، لجاز أن يملك الورثة بها ، ما فضل عن ديونهم ، ولجاز إذا أبرءوا الميت من ديونهم ، بعد أيمانهم أن يصير ذلك ملكا للورثة ، وفي الإجماع على أن الورثة لا يملكونه - دليل على أن الميت لم يثبت له ، ولأن الورثة لو أكذبوا الشاهد وصدقه الغرماء ، لم يكن للغرماء أن يحلفوا معه ، ولو صدقه الورثة وكذبه الغرماء كان للورثة أن يحلفوا معه فدل على أن ملك الدين المحلوف عليه للورثة دون الغرماء .
وهكذا لو
ادعى ورثة الميت دينا على منكر ، ونكل المنكر عن اليمين فردت على الورثة فلم يحلفوا وأجاب غرماء الميت إلى اليمين ففي إحلافهم قولان تعليلا بما ذكرناه .
وهكذا غرماء المفلس إذا أقام شاهدا بدين ولم يحلف معه وأجاب غرماؤه إلى اليمين لم يراجع ، أو ردت يمين النكول عليه فلم يحلف وأجاب غرماؤه إليها ، ففي ردها قولان :
فأما
إذا وصى الميت بعين قائمة في يد زيد ، ووصى بها لعمرو فأنكرها زيد ، ونكل عن اليمين فردت على الورثة ، فإن حلفوا استحقت العين ، ودفعت إلى الموصى له ، وإن نكلوا وأجاب الموصى له أن يحلف عليها ، فقد اختلف أصحابنا ، فخرجه بعضهم على قولين ، كالديون .
وقال بعضهم : للموصى له أن يحلف عليها ، ويستحقها قولا واحدا بخلاف الديون لأن الأعيان مخالفة للديون لسقوط حقوق الورثة من الأعيان وبثبوته في الدين ،
[ ص: 84 ] لأن لهم قضاء الدين من غير التركة ، وليس لهم إبدال الوصية بغير العين .
وعلى هذا لو اختلفوا في الجارية المرهونة ، إذا أحبلها الراهن وادعى وطأها بإذن المرتهن ، وأنكر المرتهن الإذن ، فجعل القول قول المرتهن مع يمينه ، في إنكار الإذن ، فلم يحلف فردت على الراهن ، فلم يحلف وأجابت الجارية المرهونة إلى أن تحلف ، فخرجها أكثر أصحابنا على قولين ، وجوز بعضهم أن تحلف قولا واحدا لتعيين حقها في مصيرها أم ولد لسيدها .