مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : ولو
أقام شاهدا أنه سرق له متاعا من حرز يساوي ما تقطع فيه اليد ، حلف مع شاهده واستحق ، ولا يقطع لأن الحد ليس بمال ، كرجل قال : امرأتي طالق وعبدي حر إن كنت غصبت فلانا هذا العبد ، فيشهد له عليه بغصبه شاهد ، فيحلف ويستحق الغصب ولا يثبت عليه طلاق ولا عتق لأن حكم الحنث غير حكم المال " .
قال
الماوردي : وقد ثبت من مذهبنا أن
الشاهد واليمين يحكم به في الأموال دون الحدود ، فإذا ادعى سرقة مال يوجب القطع ، وأقام عليها شاهدا ، ويمينا وجب الغرم ، وسقط القطع لأن الغرم مال والقطع حد ، ولا يمتنع إذا اجتمع في الدعوى أن يجري على كل واحد منهما حكمه لو انفرد وقد يجوز أن يثبت الغرم دون القطع إذا سرق من غير حرز ، أو سرق أقل من نصاب .
ويجوز أن يثبت القطع دون الغرم ، إذا وهبت له السرقة فلم يمتنع أن يثبت بالشاهد واليمين الغرم دون القطع .
فإن قيل : فهلا أوجبتم بالشاهد واليمين في قتل العمد الدية ، دون القود ، لأن الدية مال ، والقود حد ، كما أوجبتم به في السرقة الغرم ، دون القطع قيل : لفرقين منعا من الجمع بينهما :
أحدهما : أن المال في السرقة أصل والقطع فرع فجاز أن يثبت حكم الأصل مع سقوط فرعه ، والقود في القتل أصل ، والدية فرع ، فلم يجز أن يثبت حكم للفرع مع سقوط أصله .
والثاني : أن في قتل العمد قولين :
أحدهما : أنه موجب للقود ، وأن الدية تجب بالعفو عن القود ، واختيار الدية ، فلذلك لم يستحق الدية إلا من يستحق القود .
والقول الثاني : أن قتل العمد موجب لأحد الأمرين من القود أو الدية ، وأن كل
[ ص: 85 ] واحد منهما بدل عن الآخر يكون مستحقه مخيرا في أحدهما فإذا امتنع استحقاقهما ، وثبوت الخيار فيهما امتنع وجوب أحدهما . وهذان الأمران معدومان في السرقة لجواز ثبوت الغرم دون القطع ، وثبوت القطع دون الغرم .
وقد أوضح
الشافعي ذلك بمثال ضربه في
رجل ادعى عبدا في يد رجل غصبه عليه ، فحلف المدعى عليه بالعتق والطلاق أنه ما غصبه العبد الذي ادعاه ، فإن أقام مدعي الغصب شاهدين حكم على المدعى عليه بالغصب ، وحكم عليه بالحنث في الطلاق ، والعتاق ، ولو أقام عليه شاهدا وامرأتين أو شاهدا ويمينا حكم عليه بالغصب ، ولم يحكم عليه بالحنث في الطلاق والعتاق ، ولأن الغصب مال ، والطلاق والعتق ليسا بمال .