مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
أقام شاهدا على جارية أنها له ، وابنها ولد منه ، حلف وقضي له بالجارية ، وكانت أم ولده بإقراره ، لأن أم الولد مملوكة ، ولا يقضى له بالجارية ، لأنه لا يملكه على أنه ابنه ، قال
المزني رحمه الله : وقال في موضع آخر : يأخذها وولدها ويكون ابنه . قال
المزني رحمه الله : وهذا أشبه بقوله الآتي لم يختص وهو قوله لو أقام شاهدا على عبد في يدي رجل يسترقه إنه كان عبدا له ، فأعتقه ثم غصبه هذا بعد العتق ، حلف وأخذه ، وكان مولى له . قال
المزني رحمه الله : فهو لا يأخذه
[ ص: 86 ] مولاه على أنه يسترقه كما أنه لا يأخذ ابنه على أنه يسترقه فإذا أجازه في المولى لزمه في الابن " .
قال
الماوردي : وصورتها في
جارية ولدت ولدا في يدي رجل يسترقهما ، فادعاها وولدها مدع فله في دعواه ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يدعيها ملكا لنفسه ، فيحكم له فيها بالشاهد واليمين ، لاختصاص الدعوى بالملك .
والحال الثانية : أن يدعي أنها حرة تزوجها ، وأن ولدها ابنه منها ، حر ، لم يجر عليه رق ، فلا يحكم له بشاهد ويمين ، حتى يشهد له شاهدان بدعواه ، لأنها تضمنت حرية وزوجية ونسبا .
والشهادة بحريتها بينة على صاحب اليد ، والشهادة بالزوجية بينة عليها إن كانت معترفة بحريتها ، وإن لم تعترف بحريتها كانت بينة على صاحب اليد ، وتسمع البينة بحريتها ، وإن لم تدعها لما يتعلق بها من صحة نكاح المدعي ، وحرية ولده منها ، والشهادة بنسب الولد بينة على صاحب اليد والولد .
والحال الثالثة : وهي مسألة الكتاب أن يدعي أنها كانت أمته ، وأنه أولدها هذا الولد ، فصارت به أم ولد ، فتعلق بدعواه في الأم حكمان :
أحدهما : أنها أمته .
والثاني : أنها أم ولده ، وتعلق بها في الولد حكمان :
أحدهما : أنه ابنه .
والثاني : أنه حر ، فلم يختلف مذهب
الشافعي أنه يحكم له بالشاهد واليمين في الإقرار أنها أمته ، وأنها أم ولده تعتق عليه بموته ، لأمرين :
أحدهما : أن أحكام الرق جارية عليها في استخدامها والاستمتاع بها وإجارتها ، وتملك منافعها ، وأخذ القيمة من قاتلها والرق قال : " ويحكم فيه بالشاهد واليمين " .
والثاني : أنه لما حرم عليه بيعها ، صار الملك والدعوى مقصورين على منافعها ، والمنافع في حكم الأموال المحكوم بها بالشاهد واليمين .
واختلف أصحابنا لاختلاف هذا التعليل : هل صارت أم ولد بالبينة أو بإقراره على وجهين :
أحدهما : وهو منصوص
الشافعي : أنها صارت أم ولد بإقراره الشاهد واليمين ، فوجب تملك رقها .
[ ص: 87 ] والوجه الثاني : أنها صارت بالشاهد واليمين أمته وأم ولده ، قضاء بالشهادة .
فصل : فأما الولد ففيه قولان :
أحدهما : وهو المشهور من مذهب
الشافعي ، والمنصوص عليه في كتبه ، أنه لا يثبت له بالشاهد واليمين ما ادعاه من نسبه وحريته ، ويكون في يد صاحب اليد على ما يذكره فيه أنه عبده أو ولده مع يمينه ، كما لو تجردت الدعوى عن بينة إلا أن يشهد بها شاهدان ، فيحكم له بالنسب والحرية ، لأن الدعوى لو انفردت بنسبه وبحريته لم يحكم فيها بالشاهد واليمين كذلك إذا أقر بادعاء أمته .
والقول الثاني : وحكاه
المزني عنه ، ولم يوجد في كتبه أنه يصير بالشاهد واليمين تبعا لأمه في ثبوت نسبه وحريته ، لأنها في الدعوى أصل متبوع ، وهو فيها فرع تابع ، فأوجب ثبوت الأصل ثبوت فرعه ، واستشهد له
المزني بما حكاه عن
الشافعي في
رجل ادعى عبدا في يد رجل ليسترقه أنه كان عبده ، وأنه أعتقه وغصبه صاحب اليد ، بعد حريته ، وأقام بما ادعاه من الملك والعتق شاهدا ويمينا قضي له بالشاهد واليمين ، وإن كان مقصود الدعوى استحقاق الولاء ، لأنه تابع لدعوى رق وعتق . كذلك دعوى الولد ، لأنه تابع لرق أمه ، فاختلف أصحابنا في حكم ما استشهد به
المزني من دعوى العبد المعتق ، فكان
أبو العباس بن سريج يسوي بينهما ، ولا يفرق ويمنع من ثبوت نسب الولد وعتق العبد ، وإن خرج في نسب الولد قول ثان خرج في عتق العبد .
وذهب جمهور أصحابنا إلى تصحيح ما قاله
المزني في عتق العبد ، وفرقوا بينه وبين نسب الولد بأن العبد قد جرى عليه رق يثبت بالشاهد واليمين ، فاستصحب حكمه فيه ، وإن عتق بإقرار مالكه ، والولد لم يجر عليه رق يستصحب حكمه فيه ، فتجردت دعواه بإثبات النسب الذي لا يحكم فيه بالشاهد واليمين .
فأما التعليل بأن الولد تابع لأمه ، فهو وإن كان تابعا لها في البنوة ، فهي تابعة له في الحرية ، لأنها تعتق بحريته .