فصل : وأما الضرب الثاني ، وهو أن
يدعى عليه يمين في يديه كدار أو عبد أو ثوب ، فلا يستقل بهذه الدعوى إلا أن يصلها بما يوجب انتزاعها من يده ، فيقول : وقد غصبني عليها ، أو منعني منها بغير حق ، لأنها قد تكون له ، ولا يستحق انتزاعها من يده ، لأنها مستأجرة أو مرهونة ، فإذا كملت الدعوى بقول المدعي هذه الدار لي ، وقد غصبني عليها ،
فللمدعى عليه في إنكاره أربعة أحوال :
أحدها : أن يقول : لا حق له في هذه الدار ، فهذا جواب مقنع ، ولا يتضمن أنها ملك المنكر ، ولا أنه لا يملكها بتحلفة الحاكم على البت بالله إنه لا حق له فيها ، ولا
[ ص: 121 ] يحتاج أن يقول : ولا في شيء منها ، لأن قوله : " لا حق له فيها - مستوعب لجميع أجزائها .
والحال الثانية : أن يقول : لا يستحق هذه الدار ، فيحتاج أن يقول : ولا شيئا منها ، لأن قوله : " ولا يستحقها " لا يمنع أن يستحق بعضها ، فيحلفه الحاكم بالله إنه لا يستحق هذه الدار ، ولا شيئا منها .
والحال الثالثة : أن يقول : هذه الدار لي دونه ، فيكون هذا جوابا كافيا ، فإن قال : هذه الدار لي ولم يقل دونه - أقنع ؛ لأنها إذا كانت له فلا شيء فيها لغيره ، فيحلفه الحاكم على البت على نفي ملك المدعي ، ولا يحلفه على إثبات ملكه ، لأنها يمين عليه ، وليست بيمين له ، فيقول : والله إنه لا يملك هذه الدار ، ولا شيئا منها ، أو لا ملك له في هذه الدار أو لا حق له في هذه الدار .
فإن زاد في يمينه : وإنها لي دونه - جاز ، وكانت ملكا له في الظاهر بيده لا بيمينه .
والحال الرابعة : أن يقول : ما غصبت هذه الدار ، فلا يقنع هذا الجواب ، لأنه ادعى عليه ملك الدار وغصبها ، فأنكر الغصب ، ولم ينكر الملك ، فلا يمنع إذا لم يغصبها منه أن تكون ملكا له .
فإذا قالت : ما غصبته إياها ، وهي لي دونه ، كان جواب الإنكار ، وكان في إحلاف الحاكم له وجهان على ما مضى :
أحدهما : يحلفه على ما أجاب به : والله ما غصبته هذه الدار ، وأنها لي دونه .
والوجه الثاني : يحلفه أنه لا حق له في هذه الدار ، ولا بسببها ، لأن الغصب موجب للأجرة ، فصار بادعاء غصبها وملكها مدعيا لها ولأجرتها ، فاحتاجت يمينه أن تتضمن نفي الأمرين : الملك والأجرة .
فلذلك قال في يمينه : لا حق له فيها ، ولا بسببها ، لأنه لا يمتنع أن يزول ملكه عنها بعد استحقاق أجرتها بالغصب .