مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : وإن أحلف ، قال : والله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ، ثم ينسق اليمين .
[ ص: 127 ] قال
الماوردي : وهذا هو الأولى في صفة اليمين ، لأنها موضوعة للزجر ، فعدل بها عن معهود الأيمان ، فيما يكثرونه في كلامهم من لغو اليمين ، لأنه أبلغ في الزجر عنها ، وأمنع من الإقدام عليها .
وأولى الأيمان الزاجرة - ما ذكره
الشافعي ، أن يقول : والله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ، وقال في الأم : الذي يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور ، وهما سواء في المعنى ، وإنما كان ذلك أولى ، لأن نسقها إلى الرحمن الرحيم قد تضمنها القرآن ، وقوله : " الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " ، تنبيها للحالف على علم الله بصدقه ، وكذبه ، فإن ذلك في إحلافه مما يفعله كثير من الحكام : بالله الطالب الغالب ، الضار النافع المدرك ، المهلك ، جاز ، وإن لم يكن في نسق تلاوتها في القرآن لما فيه من تنبيه الحالف على استدفاع مضاره ، واجتلاب منافعه ، ومن زجر الحالف - أن يعظه الحاكم قبل إحلافه بقول الله تعالى :
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا [ آل عمران : 77 ] . وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925651من حلف يمينا كاذبة ، ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله ، وهو عليه غضبان " .
وحكي أن رجلا قدم إلى الحاكم ، فهم باليمين ، فلما وعظه بهذا امتنع وأقر ، وقال : ما ظننت أن الحالف يستحق هذا الوعيد .
فإن اقتصر على إحلافه بالله أو بصفة من صفة ذاته ، كقوله : وعزة الله ، وعظمة الله ، جاز .
قد اقتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحلاف ركانة على أن أحلفه بالله ، لأنه من أعظم أسمائه ، وقيل : هو اسمه الأعظم ، وقيل : في تأويل قوله تعالى :
هل تعلم له سميا [ مريم : 165 ] . أي : من يتسمى بالله ، لأنه لم يتسم به أحد من المخلوقين ، وإن تسموا بغيره من أسمائه .
وشذ بعض أصحابنا ، فقال : لا يجزئه إحلافه بالله ، حتى يغلظها بما وصفنا ، ليخرج بها عن عادته ، ويعيدها الحاكم عليه مغلظة .
فأما
إحلافه بالمصحف ، وما فيه من القرآن ، فقد حكى
الشافعي ، عن
مطرف ، أن
ابن الزبير كان يحلف على المصحف ، قال : ورأيت
مطرفا بضعا يحلف على المصحف .
[ ص: 128 ] قال
الشافعي : وهو حسن ، وعليه الحكام باليمن ، وهذا إنما استحسنه فيما
تغلظ فيه اليمين بالمكان والزمان .
فأما
إحلافه بالملائكة والرسل وما يعظم من المخلوقات فلا يجوز : لما روي
عن عمر رضي الله عنه أنه قال : سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول : وذمة الخطاب ، فضرب كتفي وقال : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم . فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت أو فليصمت .
قال
عمر : فما حلفت بعدها ذاكرا ولا آثرا ، وفيه تأويلان :
أحدهما : عاهدا ولا ناسيا .
والثاني : قائلا ولا حاكيا .
فإن
أحلفه الحاكم بشيء من المخلوقات ، فقد أساء وأثم . ولا يتعلق بها حكم اليمين ، ولا يجوز أن يحلف أحدا بطلاق ولا عتق ولا نذر ، لأنها تخرج عن حكم اليمين إلى إيقاع فرقة والتزام غرم ، وهو مستبدع ، وقد قال الشاعر :
رأيت كليبا أحدثت في قضائها طلاق نساء لم يسوقوا لها مهرا
قال
الشافعي : ومتى بلغ الإمام أن حاكما يستحلف الناس بالطلاق والعتاق عزله عن الحكم لأنه جاهل . والله أعلم بالصواب .