فصل : والوجه الثاني في جواز رد اليمين فالدليل على جوازه من طريق المعنى هو أن يمين المدعى عليه حجة له في النفي ، كما أن بينة المدعي حجة له في الإثبات ، فلما كان ترك المدعي لحجته موجبا للعدول إلى يمين المدعى عليه ، وجب أن يكون
ترك المدعى عليه لحجته موجبا للعدول إلى يمين المدعي .
وتحريره قياسا أنها حجة أحد المتداعيين ابتداء ، فوجب أن يكون تركها موجبا للعدول إلى يمين صاحبه ، كترك البينة .
فإن قيل : هذا باطل ترد اليمين على المدعي إذا امتنع منها لم يوجب ردها على المدعى عليه ، قلنا : التعليل إنما كان للحجة المبتدأة ، وبذلك قلنا : إنها حجة أحد المتداعيين ابتداء ، وليست يمين الرد من الحجج المبتدأة ، فلم يقدح في التعليل .
فإن قالوا : نقلبها ، فنقول : لأنها حجة أحد المتداعيين ، فإذا امتنع منها لم تنقل إلى جنبة صاحبه ، كالبينة .
قلنا : نقول بهذا القلب ، لأن يمين المدعى عليه للنفي ، وهي لا تنقل إلى المدعي ، وإنما تنقل إليه يمين الإثبات ، وبينة المدعي لإثبات ، ونقلها إلى المدعى عليه للنفي ، والبينة مستعملة في الإثبات دون النفي ، واليمين مستعملة في الإثبات والنفي ، فصح قلبنا ، وفسد قلبهم .
ولأن أصول الشرع موضوعة على إثبات اليمين في جنبة أقوى الخصمين ، وأقواهما في الابتداء المدعى عليه : لأن الأصل براءة ذمته ، مما ادعي عليه وثبوت ملكه على ما في يده ، فجعلت اليمين في جنبته ، فلما نكل فيها ، صار المدعي أقوى منه : لأن توقفه عن اليمين شبهة في صحة الدعوى ، فصار المدعي بها أقوى منه ، فاستحقت اليمين في جنبته ، لقوته . كما ثبتت في جنبة المدعى عليه حال ثبوت قوته .
وتحريره قياسا : أنها جنبة قويت على صاحبتها ، فاقتضى أن تكون اليمين من جهتها كالمدعى عليه قبل النكول ، وهي حال قوتها .