[ ص: 148 ] مختصر من كتاب الشهادات وما دخله من الرسالة
باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز ومن يشهد بعد رد شهادته من الجامع ومن اختلاف الحكام وأدب القاضي وغير ذلك
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ليس من الناس أحد نعلمه - إلا أن يكون قليلا - يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية ، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئا من الطاعة والمروءة ، فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة ، قبلت شهادته ، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة ، ردت شهادته " .
قال
الماوردي : وإنما فصل
المزني الشهادات كتابين ، أولا وثانيا ، لأن الأول متصل بالحكم فأضافه إلى أدب القاضي .
والثاني : في صفة الشاهد في القبول والرد أفرده عن الأول .
والمقبول الشهادة ، هو العدل ، والمردود الشهادة هو الفاسق ، فأما قبول شهادة من العدل ، فلقوله تعالى :
وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] . ولقوله :
ممن ترضون من الشهداء [ البقرة : 282 ] . والرضا متوجه إلى العدل منتف عن الفاسق .
وأما التوقف عن شهادة الفاسق فلقوله تعالى : "
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين [ الحجرات : 6 ] . والنبأ الخبر . وكل شهادة خبر ، وإن لم يكن كل خبر شهادة .
ولقوله تعالى :
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [ السجدة : 18 ] . فالمنع من المساواة إذا أوجب قبول العدل ، أوجب رد الفاسق ، وقيل : إن هاتين الآيتين في الفاسق نزلتا في
الوليد بن عقبة بن أبي معيط .
وسبب نزول الآية الأولى فيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذه إلى قبيلة مصدقا ، فأخذ من صدقتها ، وكان بينه وبين القوم إحن ، فتوجه إليهم ، وعاد ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم منعوه الصدقة ، ولم يمنعوه ، فهم بغزوهم حتى أنزل الله تعالى فيه : "
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " فكف عنهم وعلم بحالهم .
وأما الآية الثانية فسبب نزولها : أنه استطال على
علي بن أبي طالب عليه السلام
[ ص: 149 ] ذات يوم وقال : أنا أثبت منك جنانا ، وأفصح منك لسانا ، وأهد منك سنانا فنزل فيه
أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " يعني بالمؤمن
علي بن أبي طالب وبالفاسق
الوليد بن عقبة . لا يستوون يعني في أحكام الدنيا ومنازل الآخرة .
وأما اسم العدل فهو العديل ، لأنه معادل لما جازاه والمعادلة المساواة . وهو في الشرع حقيقة فيمن كان مرضي الدين والمروءة لاعتداله .
وأما اسم الفاسق فهو في اللغة : مأخوذ من الخروج عن الشيء يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها . فسمي الغراب فاسقا لخروجه من مألفه ، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها .
وهو في الشرع حقيقة فيمن كان مسخوط الدين والطريقة لخروجه عن الاعتدال .