مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولا تجوز شهادة جار إلى نفسه ولا دافع عنها " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح . لأن
من شروط قبول الشهادة : أن يخلو من التهم ، لقوله تعالى :
ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا [ البقرة : 282 ] . والتهمة ريبة .
وروى
القاسم بن محمد ، عن
ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي الإحنة " فالخصم المنازع ، والظنين : المتهم ، وذي الإحنة : العدو . فمن المتهومين في الشهادة وإن كانوا عدولا ، من يجر بشهادته إلى نفسه نفعا ، أو يدفع عنها ضررا . فلا تقبل شهادته .
فمن جر النفع ، أن
يشهد السيد لعبده أو مكاتبه ، لأنه مالك لمالك عبده ، ومستحق أخذ المال من مكاتبه لجواز عوده إلى رقه .
ومنها أن
يشهد الوكيل لموكله فيما هو وكيل فيه ، لجواز تصرفه فيه إذا ثبت ، فكان نفعا . وفي جواز شهادته له في غير ما هو وكيل فيه وجهان :
[ ص: 160 ] أحدهما : يجوز ، لعدم تصرفه فيه .
والوجه الثاني : لا يجوز ، لأنه قد صار بالنيابة عن ذي الحق متهوما ومنها شهادة الولي للمولى عليه ، لأنه قد قام مقامه في النيابة عنه .
ومنها
شهادة الوصي للموصي بعد موته أو لأبيه على ما شهد به ، وتجوز شهادته له قبل موته لعدم ولايته .
ومنها
شهادة " الموصى له بحق " للموصي " بعد موته " إذا كان له تعلق بحق وصيته . وتجوز شهادته له قبل موته لعدم ولايته ؟ فإن شهد له بما لا حق له فيه ، قبلت شهادته وجها واحدا . بخلاف الوكيل في أحد الوجهين ، لأن الوكيل قد يجوز أن يتقرب بشهادته إلى موكله ، والموصى له لا يتقرب بها إلى الموصي بعد موته ، فصار الوكيل متهوما والموصى له غير متهوم .
ومنها أن يكون للشاهد على المشهود له دين ، فيشهد له بدين على غيره ، فللمشهود له حالتان : موسر ، ومعسر .
فإن كان موسرا ، قبلت شهادته له ، لأنه لا يجر بها نفعا لوصوله إلى دينه من يساره .
وإن كان معسرا ، فله حالتان :
إحداهما : أن يحكم بفلسه ، فلا تقبل شهادته له . لأن ما شهد به من الدين صائر إليه . فصار نفعا يترحم به .
والحالة الثانية : أن لا يحكم بفلسه ، ففي قبول شهادته له وجهان :
أحدهما : وهو الأظهر أنها لا تقبل : لأنه يستحق بها مطالبة المعسر بدينه كالمحكوم بفلسه .
والوجه الثاني : قاله
أبو حامد الإسفراييني : تقبل شهادته له وإن لم تقبل إذا حكم بفلسه . وفرقا بين المعسر والمحكوم بفلسه بأنه قد حكم له بمال التفليس ولم يحكم له بمال المعسر ، وهذا الفرق لا يمنع من تساويهما في غيره ، وهو وصوله إلى حقه بعد تعذره .
ومنها
شهادة الشريك لشريكه ، فيما هو يشركه فيه ، لأنه يصير شاهدا لنفسه . فإن شهد له بما ليس بشريك ، جاز بخلاف الوكيل ، لأن للوكيل نيابة وليس للشريك نيابة . ولهذا نظائر تجري على حكمها .