القول في شهادة العدو والخصم .
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولا على خصم لأن الخصومة موضع عداوة .
قال
الماوردي : وأما
شهادة العدو على عدوه فمردودة لا تقبل ، وأجازها
أبو حنيفة ، احتجاجا بقوله تعالى :
واستشهدوا شهيدين من رجالكم [ البقرة : 282 ] . فكان على عمومه ، ولأن الدين والعدالة يمنعان من الشهادة بالزور .
ولأن
العداوة إن كانت في الدين لم تمنع من قبول الشهادة ، كما تقبل شهادة المسلم على الكافر مع ظهور العداوة ، وإن كانت في الدنيا فهي أسهل من عداوة الدين فكانت أولى أن تقبل .
ودليلنا : قوله تعالى :
ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا .
والعداوة من أقوى الريب .
وروى
أبو داود في سننه ، عن
عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925671لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه " . والغمر : العداوة ، وهذا نص .
ولأنها شهادة تقترن بتهمة ، فلم تقبل كشهادة الوالد للولد .
[ ص: 162 ] وأما الجواب عن عموم الآية فمن وجهين :
أحدهما : تخصيصها بأدلتنا .
والثاني : حملها على التحمل دون الأداء .
فأما الجواب عن قولهم أن الدين والعدالة يمنعان من الشهادة بالزور ، وهو أن هذا المعنى لما لم يبعث على قبول
شهادة الوالد للولد ، لم يوجب قبول شهادة العدو على عدوه .
وأما الجواب عن قولهم : إن العداوة في الدنيا أسهل : فهو أن العداوة في الدين تبعث على العمل بموجبه فزالت التهمة فيه . والعداوة في الدنيا أغلظ للعدول بها عن أحكام الدين .
وإذا كان ذلك لم تقبل
شهادة المقذوف على القاذف ، ولا المغصوب منه على الغاصب ، ولا المسروق منه على السارق ، وولي المقتول على القاتل ، والزوج على امرأته إذا زنت في فراشه ، إلى نظائر هذا .
وإذا منعت العداوة من الشهادة على العدو ، لم تمنع من الشهادة له ، لأنه متهوم في الشهادة عليه وغير متهوم في الشهادة له . لأن ما بعث على العداوة لا يكون جرحا تسقط به الشهادة .