مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولا لولد بنيه ، ولا لولد بناته ، وإن سفلوا ، ولا لآبائه وأمهاته وإن بعدوا " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ،
لا تقبل شهادة الوالد لمولوديه به وإن سفلوا ، ولا شهادة الولد لوالديه وإن بعدوا .
وهذا قول
مالك ،
وأبي حنيفة ، وجمهور الفقهاء .
وقال
أبو إبراهيم المزني ،
وداود بن علي : شهادة الوالد لولده والولد لوالده جائزة .
وبه قال
عمر بن الخطاب ،
وعمر بن عبد العزيز احتجاجا بقوله تعالى :
كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين [ النساء : 135 ] . ولا يؤمر بالقسط في هذه الشهادة إلا وهي مقبولة ولأن
علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - حاكم يهوديا إلى
شريح في درع ادعاه في يده فأنكرها . فشهد له ابنه
الحسن ، عليه السلام فرد شهادته .
وقال : يا أمير المؤمنين ، كيف أقبل شهادة ابنك لك ؟
فقال
علي ، عليه السلام : في أي كتاب وجدت هذا ؟ أو في أي سنة ؟ وعزله ونفاه إلى قرية يقال لها
بالصفا ، نيفا وعشرين يوما ، ثم أعاده إلى القضاء ، ولأن الدين والعدالة يحجزان عن الشهادة بالزور والكذب .
[ ص: 164 ] ودليلنا قوله تعالى :
ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا [ البقرة : 282 ] . والريبة متوجهة إلى شهادة بعضهم بعضا ، لما جبلوا عليه من الميل والمحبة ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
الولد محزنة مجبنة مبخلة مجهلة " .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال
لعائشة رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925672يا عائشة فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها فدل على أن الولد بعض أبيه .
وقد قيل في تأويل قوله تعالى :
وجعلوا له من عباده جزءا [ الزخرف : 15 ] .
أي : ولدا فصارت الشهادة له كالشهادة لنفسه .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لأبي معشر الدارمي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923910أنت ومالك لأبيك " ، فصارت الشهادة بمال أبيه كالشهادة بمال نفسه .
وذكر
الشافعي حديثا رواه عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925673لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ، ولا محدود حدا ، ولا ذي غمر على أخيه ولا مجرب في شهادة زور ولا ظنين في قرابة ولا ولاء ولا شهادة القانع لأهل البيت " ووصل بذلك "
ولا شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده " ثم قال وهذا لا يثبته أهل النقل ، فإن ثبت هذا فهو نص . وإن لم يثبت ففي قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925675ولا ظنين في قرابة " دليل على الوالد والولد .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه وهو لا يجوز أن يشهد لكسبه .
ولأن ورود النص بالمنع من
شهادة الظنين وهو المتهم يوجب المنع من شهادة الوالد للولد لأنه متهم .
فأما الجواب عن الآية فمن وجهين :
أحدهما : أنها دالة على الشهادة عليهم لا لهم .
والثاني : أنه لما قرنها لنفسه في قوله "
شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين " دل على خروجها مخرج الزجر ، أن يخبر على نفسه ، أو ولده بغير الحق .
ولا يمنع الدين والعدالة من رد الشهادة ، كشهادة السيد لعبده ومكاتبه . وأما إنكار
علي ، عليه السلام على
شريح ، فلأن
شريحا وهم في الدعوى : لأن
عليا ، عليه السلام ادعى الدرع للمسلمين في بيت المال ، ولذلك استشهد بابنه
الحسن ، ولم يدعها
[ ص: 165 ] لنفسه ، وإنما كان في الدعوى نائبا عن كافة المسلمين كالوكيل ، فوهم
شريح ، وظن أن الدعوى لنفسه ، ولذلك أنكر
علي ، عليه السلام ، وعزله : لأنه لم يثبث في الفحص عن حقيقة الحال ، فيعلم بها جواز الشهادة ، فصارت دليلا على المنع من شهادة الولد لوالده .