القول في
شهادة أهل الأهواء .
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولا أرد شهادة الرجل من أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه ، وقبول يمينه ، وشهادة من يرى كذبه شركا بالله ومعصية تجب بها النار أولى أن تطيب النفس بقبولها من شهادة من يخفف المأثم فيها ، وكل من تأول حراما عندنا فيه حد أو لا حد فيه ، لم نرد بذلك شهادته ، ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين وجعل علما في البلدان منهم من يستحل المتعة والدينار بالدينارين نقدا ، وهذا عندنا وغيرنا حرام ، وأن منهم من استحل سفك الدماء ، ولا شيء أعظم منه بعد الشرك ، ومنهم من تأول ، فاستحل كل مسكر غير الخمر ، وعاب على من حرمه ، ولا نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى به ، ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله " .
قال
الماوردي : وهذا فصل قد اختلط كلام أصحابنا فيه ممن تفرد بالفقه دون أصوله ، فوجب أن تقرر قاعدته ليعلم بها قول المختلفين ، وما يوجبه اختلافهم فيه من تعديل وتفسيق وتكفير .
فنقول : من تدين بمعتقد من جميع الناس - صنفان :
صنف ينطلق عليهم اسم الإسلام . وصنف لا ينطلق عليهم اسمه .
[ ص: 169 ] فأما من لا ينطلق عليهم اسم الإسلام ، فهو من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتبعه .
فخرج بالتكذيب وبترك الاتباع من ملته ، فهؤلاء كلهم ينطلق عليهم اسم الكفر ، وسواء من رجع منهم إلى ملة
كاليهود ،
والنصارى أو لم يرجع إلى ملة كعبدة الأوثان وما عظم من شمس ونار ، وجميعهم في التكفير في رد الشهادة سواء .
وإن فرق
أبو حنيفة بين أهل الملل وغيرهم ، فأجاز شهادة أهل الملل بعضهم لبعض ورد شهادة غيرهم .
وأما من ينطلق عليهم اسم الإسلام ، فهو من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم واتبعه ، فصار بتصديقه على النبوة من جملة أمته وبصلاته إلى القبلة داخلا في ملته ، فخرجوا بانطلاق اسم الإسلام عليهم أن يجري عليهم أحكام من لم يجر عليه اسم الإسلام من الكفار ، فهذا أصل .
ثم ينقسم من ينطلق اسم الإسلام عليه ثلاثة أقسام : موافق ، ومتبع ، ومخالف .
وأما الموافق : فهو من اعتقد الحق وعمل به ، فكان باعتقاد الحق متدينا وبالعمل به مؤديا ، فهذا مجمع على عدالته في معتقده وقوله ، مقبول القول في خبره وشهادته .