[ ص: 199 ] القول في
شهادة أهل العصبية
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : "
وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ، والعصبية المحضة ، أن يبغض الرجل لأنه من بني فلان ، فإذا أظهرها ، ودعا إليها ، وتألف عليها ، فمردود ، وقد جمع الله تبارك وتعالى المسلمين بالإسلام ، وهو أشرف أنسابهم ، فقال جل ثناؤه : "
إنما المؤمنون إخوة " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925708كونوا عباد الله إخوانا ، فمن خالف أمر الله عز وجل ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ردت شهادته .
قال
الماوردي : وقد أمر الله تعالى المسلمين بالألفة والتناصر ، ونهاهم عن التقاطع والتدابر . وقال تعالى :
إنما المؤمنون إخوة [ الحجرات : 10 ] . وقال تعالى :
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [ التوبة : 71 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923665أمتي كالبنيان يشد بعضه بعضا " وقال فيما نهاهم عنه من التقاطع :
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [ آل عمران : 103 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=925709لا تحاسدوا ، ولا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، والسابق أسبقهما إلى الجنة " فكان هذا أصلا في الدين ، ليكونوا يدا على من خالفهم فيه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=924403المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم " . ويشتمل الكلام في هذا الفصل على أربعة فصول :
أحدها : في المحبة .
والثاني : فيما يفضي إليه من المعصية .
والثالث : في البغض .
والرابع : فيما يفضي إليه من العداوة .
فأما الفصل الأول : في المحبة .
ونتحدث عن أسباب يكون بعضها مستحبا وبعضها مباحا وبعضها مكروها .
[ ص: 200 ] فأما المستحب : فهو
المحبة في الدين ، وظهور الخير ، وما قرب من طاعة الله تعالى ، وباعد من معاصيه .
قال الله تعالى :
كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر [ آل عمران : 110 ] .
ولذلك آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار .
فأما المباح : فهو
المحبة على النسب وعلى التجانس في علم أو أدب ، وعلى ما أبيح من صناعة أو مكسب ، فهذا مباح تقوى به العدالة ولا تضعف به ، ولهذا النوع أراد
الشافعي بقوله : وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه " .
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعدل خلق الله ، وقد أحب
قريشا لنسبه فيهم حتى خصهم بخلافته فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=921680الأئمة من قريش " .
وقال صلى الله عليه وسلم "
قدموا قريشا ولا تتقدموها ، وتعلموا من قريش ولا تعالموها ، "
وحمى لهم لما عادوا إلى المدينة من بدر ومعه من الأنصار سلامة بن وقش وقد سأله بعض أهل المدينة عمن لقيهم من المشركين ببدر ، فقال سلامة : وهل لقينا إلا عجائز صلعا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أولئك الملأ من قريش " ، فنفى عنهم العار مع كفرهم ومحاربتهم له .
وسمع شاعرا من
حمير ينشده :
إني امرؤ حميري حين تنسبني لا من ربيعة آبائي ولا مضر
فقال صلى الله عليه وسلم : "
ذاك أهون لقدرك وأبعد لك من الله " .
وأما المكروه : فهو
المحبة على الموافقة في المعاصي ، فقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925712المرء مع من أحب " فصار محب العاصي كالعاصي .
[ ص: 201 ] فأما
المحبة لاستحسان الصور ، فإن كانت لهوى يفضي إلى ريبة ، كرهت وإن كانت لاستحسان صنع الله تعالى وبديع خلقه ، لم تكره وكانت بالمستحبة أشبه .