[ ص: 209 ] فصل : فإذا تقرر أن
الشعر في حكم الكلام لا يخرجه نظمه عن إباحته وحظره ، فهو على ثلاثة أضرب : مستحب ، ومباح ، ومحظور .
فأما المستحب فنوعان :
أحدهما : ما حذر من الآخرة أنشده فيه بعض أهل العلم
لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه :
فلو كنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا
ونسأل بعده عن كل شي
وأنشد
للحسين بن علي رضي الله عنهما :
الموت خير من ركوب العار والعار خير من دخول النار
والله ، ما هذا وهذا جاري والثاني : ما حث على مكارم الأخلاق ، كالمحكي عن
مالك بن أنس ، أنه مر بباب قوم ، فسمع رجلا ينشد :
أنت أختي وحرمة جاري
وحقيق علي حفظ الجوار إن للجار إن نصيب لنا
حافظا للنصيب في الإسرار ما أبالي إن كان بالباب ستره
مسبل ، أو يبقى بغير ستار
فدق الباب وقال : علموا فتيانكم مثل هذا الشعر .
فهذان النوعان مستحبان ، وهما أحفظ للعدالة ، وأبعث على قبول الشهادة .
وأما المباح : فما سلم من فحش أو كذب ، وهو نوعان :
أحدهما : ما جلب نفعا .
والثاني : ما لم يعد بضرر .
[ ص: 210 ] فلا تقدح في الشهادة ، ولا يمنع من قبول الشهادة .
وأما المحظور فنوعان : كذب وفحش .
وهما جرح في قائله ، فأما في منشده ، فإن حكاه إنكارا لم يكن جرحا ، وإن حكاه اختيارا كان جرحا .
فإن تشبب في شعره ووصف امرأة ، فإن لم يعينها لم يقدح في عدالته ، وإن عينها قدح في عدالته .
فأما
المكتسب بالشعر ، فإن كان يقتضي إذا مدح ويذم إذا منع ، فهو قدح في عدالته ، فترد شهادته .
وإن كان لا يقتضي إذا مدح ، ولا يذم إذا منع ، وتقبل ما وصله إليه عفوا ، فهو على عدالته وقبول شهادته .