[ القول في شهادة الصبي والعبد والكافر والفاسق ] .
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإذا شهد صبي أو عبد أو نصراني بشهادة ، فلا يسمعها واستماعه لها تكلف ، وإن بلغ الصبي وأعتق العبد وأسلم النصراني ثم شهدوا بها بعينها ، قبلتها ، فأما البالغ المسلم أرد شهادته في الشيء ثم يحسن حاله ، فيشهد بها ، فلا أقبلها لأنا حكمنا بإبطالنا وجرحه فيها ، لأنه من الشرط أن لا يختبر عمله " .
قال
الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على فصلين : مشتبهين في الصورة مختلفين في الحكم :
فأحدهما : أن
يشهد صبي قبل بلوغه ، أو
عبد قبل عتقه ، أو
نصراني قبل إسلامه بشهادة ، فيردهم الحاكم فيها ، ثم يبلغ الصبي ويعتق العبد ، ويسلم النصراني ، فيشهدوا بتلك الشهادة التي ردوا فيها عند ذلك الحاكم أو عند غيره ، قبلت بعد تقدم الرد .
وقال
مالك : لا أقبلها بعد ردها .
والفصل الثاني : ترد
شهادة الفاسق ، ويشهد بها بعد زوال الفسق .
أن يشهد بالغ حر مسلم بشهادة ، فيردها الحاكم بالفسق ، ثم تحسن حاله ويصير عدلا ، فيشهد بتلك الشهادة عند ذلك الحاكم أو عند غيره ، ردت ولم تقبل : وقال
أبو ثور ،
وأبو إبراهيم المزني : تقبل ولا ترد .
فسوى
مالك بين الفصلين في الرد ، وسوى
أبو ثور والمزني بينهما في القبول .
[ ص: 214 ] ومذهب
الشافعي أنها تقبل إذا ردت بالصغر والرق والكفر ، ولا تقبل إذا ردت بالفسق لوقوع الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن حدوث البلوغ والعتق والإسلام يقين ، وحدوث العدالة مظنون .
والثاني : أن الصغر والرق والكفر ظاهر يمنع من سماع الشهادة ، فصارت مردودة بغير حكم . والفسق باطن فصار ردها فيه بحكم .
لو فرق على هذا الفرق بين ردها بالفسق الظاهر فتقبل ، وبين ردها بالفسق الباطن فلا تقبل ، لكان وجها لأن الفسق الظاهر لا يحتاج إلى اجتهاد ، فصار مردودا بغير حكم كالكفر والرق والصغر ، والفسق الباطن يفتقر إلى اجتهاد فصار مردودا بالحكم ، وما نفذ فيه الحكم باجتهاد لم يجز أن ينقض باجتهاد .